jeudi 21 juin 2018

الطلاق غير القضائي أمام المحاكم التونسية


أضحت عديد التشريعات الأجنبية تقر مبدأ جواز الطلاق غير القضائي  وهو ذلك الطلاق الذي يقع خارج أسوار المحاكم وبمجرد اتفاق بين الطرفين تضبطه إجراءات معينة ومن هذه التشريعات القانون الروسي والياباني... وكذلك القانون الفرنسي الذي بمقتضى القانون عـ1547-2016ـــدد المتعلق بتحديث العدالة المؤرخ في 18/11/2016 أقر إمكانية الطلاق الاتفاقي غير القضائي.

وقد انبثق اشكال جدّي يتعلق بطريقة الاعتراف بهذا الطلاق غير القضائي في تونس عندما تكتسي العلاقة صبغة دولية أحد أطرافها تونسي ضرورة أن الطلاق في النظام القضائي التونسي لا يكون إلا عبر المحكمة وهي قاعدة أرستها مجلة الأحوال الشخصية منذ صدورها لحماية العائلة والأطفال وضمان حقوق الزوجين عند انهاء عقد الزواج وتشكل أحد الاركان الاساسية لقانون الأسرة في تونس
ونظرا لأهمية عدد التونسيين المقيمين بالخارج والمرتبطين بعقود زواج مع أجانب خاصة في فرنسا فقد طرح الإشكال في المنضومة القضائية التونسية حول "مصير الطلاق غير القضائي" الواقع بالخارج وآلية الاعتراف به.

توجّه العديد من المتقاضين إلى محاولة إدراج الطلاق غير القضائي مباشرة بمصالح الحالة المدنية اعتمادا على الاتفاقيات الدولية كالاتفاقية المبرمة بين تونس وفرنسا في 28/06/1972 والتي يجيز فصلها 18 أن تدرج مباشرة في دفاتر الحالة المدنية الأحكام الصادرة عن السلطات القضائية في كلا البلدين والمتعلقة بالحالة الشخصية إلا أن محاولة الإدراج باءت بالفشل ضرورة أن اتفاق الطلاق غير القضائي ليست حكما قضائيّا وجوبهت المطالب المذكورة بالرفض لذلك السبب.

ولتعدّد حالات الرفض خاصة بعد القانون الفرنسي الجديد الذي يتيح امكانية الطلاق غير القضائي فقد اعتبر مركز الدراسات القانونية والقضائية بتاريخ 25/05/2017 بناء على استشارة من وزارة العدل أنه لا يمكن الاعتراف بالطلاق غير القضائي نظرا لانتفاء الصبغة القضائية فيه في حين كان رأي لجنة تنقيح مجلة القانون الدولي الخاص يشجع على الاعتراف بهذا النوع من الطلاق ويشير إلى المتقاضين بالتوجه إلى للقضاء في صورة رفض مصالح الحالة المدنية إدراج الطلاق غير القضائي بدفاتر الحالة المدنية.......

وتتأرجح مواقف المحاكم التونسية في هذا المضمار بين الثلاثة مواقف الآتية :

الموقف الأول : يمكن للقاضي الاستعجالي الإذن بإدراج الطلاق غير القضائي بدفاتر الحالة المدنية

حكم استعجالي عـ86358ـدد بتارخ 14/11/2017 صادر عن المحكمة الابتدائية بتونس : 


الوقائـع : زوجان لهما الجنسية التونسية والفرنسية ويقيمان بفرنسا أبرما اتفاقية طلاق بالتراضي طبق مقتضيات القانون الفرنسي المؤرخ في 18/11/2016 وتم ذلك بحضور محام لكل من الزوجين وشملت الاتفاقية آثار الطلاق من حضانة وحق زيارة ونفقة...
عند رفض مصالح الحالة المدنية بتونس ترسيم الطلاق بدفاتر الحالة المدنية رفع الزوج قضية استعجالية طالبا الإذن استعجاليا بترسيم الطلاق غير القضائي.

اعتبرت المحكمة أنه لا شيء يمنع الاعتراف بهذا الطلاق حتى ولو لم يكن له طابع قضائي وذلك بعد التثبت من خلوه من موانع الاعتراف طبق مقتضيات الفصل 11 من مجلة القانون الدولي الخاص وطالما أنه لا يخل بالنظام العام ولا وجود لشبهة تحيل المتمثل في تغيير مصطنع لعنصر الإسناد لتفادي القانون المنطبق. كما اسست المحكمة قبولها للمطلب على مبدأ استمرارية الحالة المدنية في القانون الدولي الخاص ....



ولعل محكمة ابتدائية المنستير كانت الأكثر جرأة في هذا الإطار حين ذهبت إلى إمكانية الإذن بترسيم الطلاق غير القضائي بمقتضى إذن على عريضة لا غير :

 إذن  على عريضة عـ37545ـدد بتاريخ 15/03/2018

إذن عـ37549ـددنحن عبد الجليل البكوش رئيس المحكمة الابتدائية بالمنستيرنأذن لضابط الحالة المدنية ببلدية طبلبة بإدراج الطلاق بالتراضي كوضوع الكتب الممضى بتاريخ 20/12/2017 من العارض........والمدعوة............ والمودع بتاريخ 28/12/2017 لدى الشركة المدنية لعدلي التنفيذ ………………برسم العارض عدد ...لسنة 1947



هذا الموقف يصطدم بمسألة إجرائية جوهرية وهي مدى اختصاص القاضي الاستعجالي بالبت في مثل هذه المسألة التي تتطلب حتما وبالضرورة خوضا في الأصل طالما كان عليه التثبت من توفر شروط تطبيق الفصل 11 من مجلة القانون الدولي الخاص والتمحيص الدقيق لاتفاق الطلاق وبنوده والقانون الذي تأسس عليه وكذلك النظر في وجود تحيل على قواعد الإسناد من عدمه وهي مسائل يصعب بل يستحيل التسليم بأنها يمكن أن تنعقد لفائدة اختصاص قاضي الاستعجال...

من المؤكّد أنّ الجدوى العملية لهذا التوجه والإسراع بتغيير الحالة المدنية للطالب لا يمكن أن يخفي وهن هذا التوجه وضعفه من الناحية المبدئية والسبب في ذلك أنه قلّما ينشب نزاع بين طرفي الطلاق عند إكساءه إذ عادة ما يتغيب الطرف الأجنبي عن الحضور في المنازعة من الأساس..وهو ما يؤدّي للتساؤل : ماذا يكون موقف القاضي الاستعجالي لو حضر طرفي الطلاق وتمسك أحدهما برفض المطلب لخرق بعض من الحقوق والإجراءات الأساسية صلب اتفاق الطلاق أو أنه لم يتم احترام القواعد القانونية في البلد الأجنبي مثلا ؟؟؟؟هل سيمر القاضي الاستعجالي للبت في الأمر رغم ذلك؟؟؟؟؟؟ لا شك أن المساس بالاصل أمر يثيره القاضي الاستعجالي كلما تراءى له وجوده وليس فقط عند منازعة أحد الأطراف ومحاولته جر النزاع للأصل..



الموقف الثاني : لا يمكن للقاضي الاستعجالي الإذن بإدراج الطلاق غير القضائي بدفاتر الحالة المدنية

حكم استعجالي عدد 8516 بتاريخ 16/4/2018 صادر عن المحكمة الابتدائية بنابل :

الوقائع : زوج تونسي وزوجة روسية بعد أن تزوجا من 11 عاما في تونس وانتقلا للعيش بروسيا أين ابرما في 14/10/2017 اتفاقية طلاق غير قضائي وفقا للتشريع الروسي الذي يجيز هذا الشكل من الطلاق في صورة عدم توفر أبناء قصر. وعند رفض ترسيم الطلاق من طرف مصالح الحالة المدنية بتونس تولى الزوج القيام استعجاليا للمطالبة بالإذن بترسم الطلاق الواقع بموسكو بدفاتر حالته المدنية.

رغم تأييد الطلب بالأحكام السابقة التي تم فيها الإذن بالإدراج بمقتضى إجراءات استعجاليّة فإن المحكمة رفضت المطلب من وجهة عدم انعقاد اختصاص القاضي الاستعجالي للبت في الأمر لمساسه ضرورة بالأصل..

.........حيث أن المساس بالأصل لا يترتب عن منازعة الأطراف لموضوع النزاع بإثارة الدفوع الجدّية التي تجره إلى خارج مناط التقاضي الاستعجالي فحسب بل إن المساس بالأصل قد يصدّ قاضي العجلة بدوره ولو في غياب تلك المنازعة عندما يتحتم عليه في قضائه التدخل بإقرار الحق أو الكشف عنه أو إنشاء حقوق أو التزامات أو كذلك الاعتراف بمؤسسات قانونية أو محاولة ترتيب الآثار الناجمة عنها.....

وحيث أنه ولئن كان من اليسير مجاراة طرح المدّعي وتمسكه بحالة التأكد والضرورة المستمدّة من الاختلاف الحاصل بين الوضعية القانونية للمدعي بالخارج وتلك التي تعكسها وثائق حالته في تونس إلا أنّ الاعتراف بالاتفاق على الطلاق المحرر بروسيا وتنزيله ضمن النظام القضائي التونسي فيلزمه بيان الحامل القانوني الذي يجيزه وعند الاقتضاء مدى ملائمته للمبادئ والنظام القانوني التونسي......

وحيث أن الاعتراف هو الآلية القانونية التي تم ارسائها كقاطرة عبور تخول إدماج الأحكام والقرارات أو الاتفاقات المبرمة في نظام قضائي أجنبي ضمن نظام قضائي غيره حتى أن إقرار بعض الانظمة الأجنبية الطلاق غير القضائي ومنها النظام الفرنسي.. لم ينسحب مباشرة كما لم يؤدّ إلى توسيع رقعة الاعتراف به إلى خارج النظام الفرنسي الذي اضطر للتدخل في مرحلة موالية بواسطة السلطة التنفيذية التي أدرجت المنشور المؤرخ في 26/1/2017 لإرساء الملائمة مع بعض الأنظمة داخل الاتحاد الأوروبي ذاته حتى يتم الاعتراف به......

وحيث أن غياب الصبغة القضائية للاتفاق على الطلاق موضوع دعوى الحال يمنع اعتباره سندا صحيحا وثابتا يخول إدراجه ضمن دفاتر الحالة المدنية للطالب أي كانت الاعتبارات التي تؤيد القول فيه ضرورة أن قبول ادراج الاتفاق غير القضائي على الطلاق فيه تقويض للطبيعة القضائية للطلاق في النظام القانوني التونسي وما يحمله من منطلقات ومبادئ متولدة عن بعضها البعض ومترابطة بشكل قد يهدّد النظام العام الاجتماعي المضمن بمجلة الأحوال الشخصية .........










الموقف الثالث : يمكن إكساء الاتفاق غير القضائي بالصيغة التنفيذية بعد التحقق من توفر شروط الإكساء : 

حكم شخصي عدد 8135 مؤرخ في 6/6/2018 عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بنابل :

الوقائع : زوج تونسي الجنسية رفضت مصالح الحالة المدنية ترسيم طلاقه الاتفاقي الواقع بموسكو لدى ضابط الحالة المدنية بتاريخ 21/10/2017 وفقا للتشريع الروسي الذي يجيز الطلاق غير القضائي في صورة عدم وجود أبناء قصر.

بعد رفض الإذن بإدراج طلاقه استعجاليا تولى الزوج القيام مباشرة أمام دائرة الأحوال الشخصية طالبا إيقاع الطلاق بالتراضي بينه وبين زوجته الروسية معتبرا أن اتفاق الطلاق المبرم أمام الحالة المدنية بموسكو هو حجة على وجود اتفاق طلاق وطلب الحكم بإيقاع الطلاق بالتراضي طبق مجلة الأحوال الشخصية.

رغم حضور الزوجة الروسية ومصادقتها على ايقاع الطلاق بالتراضي فإنّ المحكمة اعتبرت أنه من غير الممكن إيقاع الطلاق بينهما وقد سبق حصول ذلك في روسيا واستغلت المحكمة الفرصة لبيان موقفها المبدئي من المسألة وهو جواز إكساء الاتفاقات غير القضائية بالصيغة التنفيذية إعتمادا على مقتضيات الفصل 12 من مجلة القانون الدولي الخاص معتبرة أنّ روح مجلة القانون الدولي الخاص تقوم على "الاعتراف بالوضعيات القانونية التي نشأت بالخارج طبقا للصيغ  المعترف بها في دولة المنشأ حتى وإن لم يكن لها شبيه في القانون التونسي" شريطة احترام مقتضيات الفصل 11 من مجلة القانون الدولي الخاص"


 

وكانت المحكمة الابتدائية بتونس قد اتخذت نفس الموقف حين أصدرت أحكاما بإكساء الاتفاق  
غيرالقضائي الفرنسي بالصيغة التنفيذية ومنها الحكم عـ11766ـدد بتاريخ 22 جانفي 2018 الصادر عن الدائرة 27 المنتصبة للقضاء في مادّة الأحوال الشخصية

 وأصدرت المحكمة الابتدائية بنابل أحكاما في إكساء الاتفاق غير القضائي بالصيغة التنفيذية معتمدة على تأويل الفصل 12 من مجلة القانون الدولي الخاص وبعد التثبت من عدم وجود الموانع المذكورة بالفصل 11 من نفس المجلة الحكم عدد8417 المحكمة الابتدائية بنابل بتاريخ 04 جويلية 2018


........وحيث ثبت من خلال الشهادة في طلاق المقدمة أنه وقع التصريح بطلاق طرفي التداعي من طرف سلطة أجنبية مختصة حسب قانونها الداخلي وهي مكتب الحالة المدنية الروسي
وحيث ثبت أنّ الطلاق المذكور أنتج آثاره بالفعل في الدولة الروسية وتم ترسيمه بسجل الحالة المدنية وتنفيذه
وحيث أن روح مجلة القانون الدولي الخاص تقوم على الاعتراف بالوضعيات القانونية التي نشأت بالخارج طبقا للصيغ المعترف بها في دولة المنشأ حتى وإن لم يكن لها شبيه في القانون التونسي وذلك بشرط عدم خلاقها الفصل 11 من نفس المجلة.....