mardi 4 septembre 2018

محكمة التعقيب: مصير عقد التسويغ عند تنفيذ قرار استعجالي بالخروج إن لم يدفع؟

تعقيبي مدني عـ70653ـدد مؤرخ في 7 ماي 2015 صادر عن الدوائر المجتمعة.

ما هو مصير عقد التسويغ بعد تنفيذ قرار استعجالي قاضي بالخروج إن لم يدفع؟ هل ينفسخ أو ينقضي أم يبقى ساري المفعول؟ هل يمكن أن يترتب عن القرار الاستعجالي الوقتي أثر يمس من وجود العقد؟  تعرضت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة لهذه المسألة في هذا القرار وكان موقفها مغايرا تماما لموقف سابق كانت أصدرته منذ سنة 1983.

تمثلت وقائع القضية في تنفيذ حكم استعجالي بقضي بالخروج إن لم يدفع على متسوغ محل يستغل فيه أصل تجاري وفشل المتسوّغ في محاولة الرجوع للمحل رغم عرضه لمعينات الكراء المطلوبة خاصة وقد تولى مالك الجدران بمجرد التحوّز بالمحل تسويغه للغير.

تولى المتسوّغ الذي غادر المحل بموجب القرار الاستعجالي القيام في المطالبة بغرامة الحرمان مستندا من الناحية الواقعية على تواطئ عدل التنفذ الذي دفع بأنه أسرع في تحويز المستفيد من التنفيذ بالمحل وتواطئ المالك مع الغير الذي أسرع بتسويغ المحل بمجرّد تنفيذه.....أما من الناحية القانونية فقد أسس المدّعي قيامه على مقولة أن الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع لا تأثير له على صحّة عقد الكراء ووجوده طالما أن الأحكام الاستعجالية لا تكسب حقوقا وطالما أن الأكرية التجارية تتمتع بحماية خاصّة ولا يمكن أن تنقضي إلا بتوفر شروط معينة ضيطها قانون 1977.

وبعد أن قضت محكمة البداية بعدم سماع الدعوى استأنفه المدّعي المتسوّغ فقضت محكمة الاستئناف بتونس صلب الحكم عـ19165ـدد بتاريخ 13/04/2005 بالنقض والقضاء مجددا بتمكين المدّعي من مبلغ 51250 دينارا بعنوان غرامة حرمان..واستندت المحكمة في ذلك على مقولة أنّ فسخ عقد التسويغ لعدم دفع معينات الكراء يخضع لإجراءات الفصل 23 من قانون 25/05/1977 وأن دعوى الخروج إن لم يدفع ليست سوى وسيلة ضغط ممنوحة للمالك دون أن تتجه نية المالك إلى فسخ العلاقة الكرائية وعليه فإنّ العلاقة الكرائية تبقى قائمة قانونا بعد تنفيذ حكم الخروج إن لم يدفع ولا يمكن تبعا لذلك حرمان المتسوغ من حقه المكتسب على الأصل التجاري.

واثر تعقيب الحكم المذكور من طرف مالك الجدران قضت محكمة التعقيب في القرار عـ6752ـدد بتاريخ 19/04/2006 بالنقض والإحالة معتبرة أنه لئن كان الفصل 23 من قانون الأكرية هو الذي ينظم الفسخ فيما يتعلق بعدم دفع معينات الكراء فإنه لا شيء يمنع من أن يكون الفسخ رضائيّا خارج إطار قانون 1977 وطالما كان المتسوغ قد أحجم عن دفع معينات الكراء فإنه قد خيّر بذلك الخروج وهو ما يعني التقاء إرادة الطرفين بخصوص الفسخ ويجعل من تنفيذ حكم الخروج إن لم يدفع من قبيل الفسخ الاتفاقي الذي يختلف عن الفسخ الحتمي المنظم صلب أحكام الفصل 23 من قانون 1977.

وبتاريخ 12/07/2007 صلب الحكم عـ47142ـدد تبنت محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة الإحالة نفس موقف محكمة التعقيب وقضت بإقرار الحكم الابتدائي وهو قضاء تم نقضه من طرف محكمة التعقيب مع الإحالة في القضية التعقيبية عـ34597ـدد بتاريخ 22/04/2010 بناء على تعقيب المدّعي في الأصل المتسوّغ واعتبرت محكمة التعقيب أنّ فسخ العلاقة الكرائية يعدّ من صميم الحق الذي لا يمكن استنتاجه من الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع وأن محكمة الموضوع لما استنتجت أن تنفيذ ذلك الحكم يعد من قبيل الفسخ تكون خرقت أحكام الفصل 201 من م م م ت وأصبغت على ذلك الحكم بعدا أعمق وأخطر مما يستحقه.
وكان هذا هو الاتجاه الذي تبنته محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة إحالة عند إعادة نشر القضية تحت عـ22053ـدد بتاريخ 25/10/2011 التي انتهت إلى وجوب تمكين المتسوغ من التعويض المتمثل في غرامة الحرمان واعتبرت أنّ الحكم الاستعجالي بالخروج إن لم يدفع ولو وقع تنفيذه لا يجوز اعتماده سندا لاعتبار العقد مفسوخا طالما لم يصدر عن القضاء ما يفيد انفساخه أو فسخه.

وتعهدت الدوائر المجتمعة بالنظر في الموضوع بعد تعقيب الحكم المذكور من طرف المحكوم ضده مالك الجدران عملا بمقتضات الفصل 191 من م م م ت.

كان على الدوائر المجتمعة الحسم بين موقفين متباينين أنتجتهما وقائع القضية التي امتدت إلى ما يناهز 15 سنة وهما من جهة أولى موقف المحكمة في القضية عـ6752ـدد بتاريخ 19/04/2006 التي ذهبت في اتجاه انتهاء العلاقة الكرائية بموجب تنفيذ حكم الخروج مما يرتب ضرورة رفض دعوى الحصول على غرامة الحرمان ومن جهة أخرى موقف المحكمة في  عـ34597ـدد بتاريخ 22/04/2010 الذي يعتبر أن العلاقة الكرائية لا تنتهي اثر تنفيذ الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع و عليه فإن المتسوغ يحق له المطالبة بغرامة حرمان طالما كان خروجه من المحل مخالفا لقواعد تنهية عقد الكراء المنظمة بقانون الأكرية التجارية لسنة 1977.
انحازت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة إلى الموقف الأول وانتهت إلى نقض الحكم الاستئنافي القاضي بتمكين المتسوغ من تعويض بعنوان غرامة حرمان بدون إحالة وكانت جمعت في الردّ بين جملة المطاعن لوحدة القول فيها مستندة في ذلك على أحكام الفصول 246 و247 من مجلة الالتزامات والعقود وكذلك الفصل 339 من نفس المجلة.


اعتبرت المحكمة من جهة أولى أنّه طالما كان الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع نتيجة لإخلال المتسوّغ بواجبه التعاقدي في دفع معينات الكراء فإن الفصلين 246 و 247 من م ا ع المنظمة لاستثناء عدم التنفيذ في المادة التعاقدية تقتضي حسب عبارات المحكمة أن "من أخل بالتزاماته لا يمكنه المطالبة بحقوقها له على معاقده بناء على مبدأ تقابل الالتزامات"
ومن جهة ثانية فقد اعتبرت الدوائر المجتمعة أن تنفيذ الحكم الاستعجالي  ينهي الاستغلال  والانتفاع بالمكرى لتعذّر الوفاء وهو سبب من أسباب انقضاء العقد عملا بقاعدة الفصل 339 من م ا ع ورغم إقرار المحكمة بأنّ الحكم الاستعجالي لا يفسخ العقد فقد اعتبرت أنه لا مجال للقول رغم ذلك ببقاء العقد بمقولة عدم التصريح بفسخه لا غير لأنه عقد قد "انقضى عندما صار الوفاء به غير ممكن" وكان ذلك نتيجة عدم دفع معينات الكراء باختيار المتسوغ عدم الدفع والخروج من المحل الأمر الذي يعني في النهاية أن المتسوغ "قبل بانقضاء الكراء بعدم الوفاء"

ويمكن اعتبار موقف الدوائر المجتمعة في هذا القرار تراجعا عن الموقف الذي سبق لها أن اتخذته منذ سنة 1983 في أحد قراراتها الشهيرة عـ775ـدد بتاريخ 18 فيفري 1983 والذي اعتبرت فيه أن القرار الاستعجالي القاضي بإخراج المتسوغ من المكرى بعدم الوفاء " لا يصلح أن يكون سندا لفسخ العلاقة التسويغية التي تبقى على نفاذها طالما لم يصدر من المحكمة المختصة ما يقضي بانفساخها أو بفسخها ضرورة أنّ القضاء المستعجل لا يعدو أن يكون وسيلة حمائية وقتية لا تنال  العلاقة الموضوعية القائمة بين طرفي النزاع ولا تأثير لها على العقد القائم بين الطرفين ولا تقيد القاضي الموضوعي صاحب الاختصاص بالنظر فيما له صلة ارتباذ بالعقد ومصيره" والقرار الاستعجالي لا يعتمد سندا لإثبات تعطيل أو تنهية عقد المتسوغ...."

القرار عـ70653 بتاريخ 7/5/2015
برئاسة السيد خالد العيّاري
........
...........
المحكمة
عن جملة المطاعن لوحدة القول فيها
حيث يطرح النزاع مسألة قانونية تتعلق بحق المتسوّغ في كراء تجاري المطالبة بغرامة الحرمان بعد أن تم إخراجه من المكرى بحكم استعجالي يقضي بالخروج من المكرى بحكم استعجالي يقضي بالخروج من المكرى إن لم يدفع معاليم الكراء والذي تم تنفيذه من جهة أولى وتعلقت حقوق الغير بالمكرى من جهة أخرى.
وحيث تحقق في النزاع الحالي أنّ المعقّب ضدّها ( المدذعية في الأصل) لم تتول خلاص معاليم الكراء وقد استصدر المعقب حكما استعجاليا في إخراجها من المكرى إن لم تدفع معينات الكراء المتخلدة بذمتها ورغم إعلامها بالحكم فإنها لم تنفذ بمقتضياته وتولى المعقب الآن تنفيذ الحكم بإخراجها من المكرى مثلما هو ثابت بمحضر التنفيذ المضاف كل ذلك نتيجة إخلال المتسوغة بالتزاماتها التعاقدية وتقتضي القاعدة بالفصلين 246 و247 من م إ ع أنّ من أخل بالتزاماته لا يمكنه المطالبة بحقوقها له على معاقده بناء على مبدأ تقابل الالتزامات.
وحيث أنه من المتفق عليه أنّ الحكم الاستعجالي " لا يفسخ العقد الاصلي لكنه ينهي الاستغلال والانتفاع بالمكرى لتعذر الوفاء فالمعقب ضدها لم تف بمعليم الكراء رغم استصدار حكم في إلزامها بالخروج إن لم تدفع وتم تنفيذ الحكم وهو ما تنقضي به الالتزامات ذلك أنّ تعذّر الوفاء من أسباب انقضاء العقد عملا بالفصل 339 من م.إ.ع وبالتالي ينقضي عقد الكراء بين طرفي النزاع بمجرد تنفيذ الحكم الاستعجالي في الخروج ولا مجال للقول تبعا لذلك ببقاء العقد لأنه لم يتم التصريح بفسخه ذلك أن العقد ينقضي عندما يصير الوفاء غير ممكن وهو ما جرى عليه النزاع الحالي فالمعقب ضدها لم تف بمقتضيات العقد بوجوب دفع معاليم الكراء وتعذر الوفاء بحصول التنفيذ رغم أنها كانت أمام خيارين إمّا الخروج أو الوفاء بالعقد وبالتالي يكون العقد قد انقضى لعدم وفاءها بالتزاماتها وهو ما يحول دون تحصلها على غرامة الحرمان.....
ولهذه الأسباب
قررت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة نقض الحكم المطعون فيه بدون إحالة وإعفاء الطاعن من الخطية وإرجاع معلومها المؤمن إليه كإرجاع المال المؤمن بموجب وقف التنفيذ لمن أمنه

Aucun commentaire: