dimanche 24 février 2019

تقدير مكافأة نهاية الخدمة في صورة الطرد لأسباب اقتصادية، تعقيبي عـ2276ـدد في 22-09-2000

القرار التعقيبي المدني عـ2276ـدد مؤرخ في 22 سبتمبر 2000
أصدرت محكمة التعقيب القرار التالي :
بعد الاطلاع على مطلب التعقيب المقدم |إلى كتابة المحكمة في 20 أفريل 2000 من طرف الأستاذ سامي العش في حق موكله زهير ضد الشؤكة الحديثة للمطاط والأحذية في ش. م.ق نائبها الأستاذ المكّي الجزيري
طعنا في الحكم الشغلي عـ556ـدد الصادر في 24/2/2000 عن المحكمة الابتدائية بصفاقس بوصفها محكمة استئناف لأحكام دوائر الشغل التابعة لها والقاضي بقبول الاستئناف شكلا كقبوله من هذه الناحية في القضية عـ611ـدد وفي الأصل بغقرار الحكم الابتدائي مع تعديله وذلك بالحطّ من مبلغ مكافأة نهاية الخدمة إلى ما قدره ألف ومائة وثلاثة وتسعون دينارا ومليـــ385ــمات
وبعد الاطلاع على مستندات التعقيب وعلى جميع الإجراءات والوثائق التي يوجب الفصل 185 من م. م. م. ت تقديمها.
وبعد الاطلاع على تقرير الردّ المقدّم في الاجل القانوني من طرف الأستاذ الجزيري
وبعد الإطلاع على ملحوظات النيابة العمومية والاستماع إلى شرح ممثلها بالجلسة.
وبعد الاطلاع على أوراق الملف والمداولة طبق القانون صرّح بما يلي :
من حيث الشكل
حيث استوفى مطلب التعقيب جميع شروطه وصيغه القانونية ولذلك فهو حري بالقبول شكلا
من حيث الأصل :
حيث تفيد وقائع القضيّة كما يثبته الحكم المطعون فيه والوثائق التي انبنى عليها قيام نائب المعقب ضدها لدى دائرة الشغل عارضا أن منولته تعرضت لصعوبات اقتصادية لدى دائرة الشغل عارضا أنّ منولته تعرضت لصعوبات اقتصاديّة استحال معها مواصلة نشاطها وقد اتبعت الإجراءات القانونية وفق الفصل 21 جديد من م.ش وقد أصدرت اللجنة الجهوية لمراقبة الطرد المنعقدة بتاريخ 09/07/1998 قرارها بالترخيص لمنوبه وإعفاء كافّة عملتها بما فيهم المعقّب وقد اقترحت في المقابل تمكين كل عامل من منحة الإعلام بالطرد قدرها شهر مع مكافأة نهاية الخدمة تحتسب على أساس شهر عن كل سنة أقدميّة وتنفيل ب10 بالمائة على ألا يتجاوز المبلغ الجملي لهذه المنحة 11 ألف دينارا وأنّ منوبته أبدت منذ البداية معارضتها في خصوص كيفية احتساب منحة مكافأة نهاية الخدمة التي كانت مشطة ومخالفة لأحكام م.ش لكون الفصل 22 قد اقتضى ألأ تتجاوز ثلاثة أشهر وأنه عملا بذلك فإن المعقب يستحق 500د362 كمنحة إعلام بالطرد و 500د1087 لقاء مكافأة نهاية الخدمة وبعد إتمام الإجراءات أصدرت الدائرة المذكورة حكما يقضي بعدم سماع الدعوى الأصلية وقبول الدعوى المعارضة شكلا وأصلا وإلزام المدعية في ش. م. ق بأن تؤدّي للمدّعى عليه ثلاثمائة وسبعة وتسعين دينارا ومليــ795ـمات لقاء منحة الإعلام بإنهاء العمل  و 000د11000 لقاء مكافأة نهاية الخدمة ومائة وخمسين دينارا لقاء الأتعاب وأجرة المحاماة ورفض الدعوى المعارضة في ما زاد على ذلك والإذن بتسجيل هذا الحكم مجانا بناء على ثبوت الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها المؤسسة كثبوت أن القرار الصادر عن اللجنة الجهوية لمراقبة الطرد قد اتخذ طبق القانون.
فاستأنفته المحكوم ضدها لدى المحكمة الابتدائية بصفاقس التي أصدؤت حكمها السالف تضمين نصّه اعتمادا على أن الفصل 21-10 من م. ش قد أحال إلى أحكام الفصل 22 من م. ش عند ضبطه هذه المكافأة وتكون مكافأة نهاية الخدمة المشار إليها بالفصل 21-10 هي عين المكافأة الواردة بها الفصل 22 من م.ش وأن التمييز بينهما لا يستند إلى أي اساس قانوني.
فتعقبه الطاعن بواسطة محاميه ناسبا إليه :
أولا : خرق الفصل 21-10 وسوء تطبيق الفصل 22 من م.ش:
بمقولة أن الفصل 21-10 من م.ش أقر لفائدة العامل المطرود تنيجة للطرد لأسباب اقتصادية حق الانتفاع بمنحة يطلق عليها مكافأة نهاية الخدمة التي تمثل تعويضا عن فقدان العمل ولها بالتالي صبغة تعويضية وهو ما أجمع عليه فقه القضاء وفقع القانون دون أن تمثل غرما نتيجة التعسف في استعمال حق الفسخ من جانب واحد من طرف المؤجّر وقد أقر ذلك التعويض حسب أدميّة العامل وسنه ووضعيّته الاجتماعية وحظوظه في وجود موطن شغل آخر وبالتالي أعطى للجنة الطرد حق تقدير تلك المنحة واقتراح القيمة العادلة على الطرفين  ومحاولة التوفيق بين الطرفين بصريح الفصل21-10 من م.ش وما دام مبلغ المكافأة يقدّم باقتراح من اللجنة ويحق التوفيق في مقداره فإنه لا يخضع حتما ومنطقا إلى طريقة الاحتساب التي وضعها المشرع بالفصل 22 من م.ش ضرورة أن تلك الطريقة ثابتة وموضوعيّة لا تحتمل لا الزيادة ولا النقصان في النتيجة اعتبارا لكون المشرّع ضبطها بقيمة أجر يوم عن كل شهر عمل مع اعتبار الأقصى قيمة أجر ثلاثة أشهر وعليه فإن نطاق تطبيق الفصل 22 من م.ش يختلف تماما عن نطاق تطبيق الفصل 21-10من م.ش وقد ورد بهذا الفصل بالأخص أن للطرفين حق اللجوء إلى المحاكم المختصة ويعني ذلك حق الطعن لا في مبدأ الطرد فقط وإنّما كذلك في قيمة المكافأ المقترحة من اللجنة وأن حق الطعن يعني بأنه للمحكمة أن تضبط قيمة المكافأة حسب عناصر وظروف الطرد ووضعية المؤسسة ولا بالتحديد طبقا للطريقة الواردة بالفصل 22 من م.ش ولأن الحكم المطعون فيه لما قضى بما وقعت الإشارة إليه آنفا قد خرق وأساء تطبيق الفصل 21-10 و22 من م.ش
ثانيا ضعف التعليل وهضم حقوق الدفاع :
بمقولة أن منوبه قام بدعوى معارضة وطلب بالاعتماد على شهادات خطية سماع البينة وإجراء بحث ميداني بواسطة تفقدية الشغل بقصد التأكد من أن المعقب ضدها واصلت نشاطها واستخدمت عديد العملة من بينهم البعض من العملة المطرودين لأسباب اقتصادية نفسهم وتبعا لذلك اعتباره متعرضا للطرد التعسفي إلا أن محكمتي الأصل اعتبرتا أن الطرد لأسباب اقتصادية ثابت وجدّي بالرجوع فقط إلى رأي اللجنة  والحال أن رأي اللجنة قابل للنقاش  والطعن لدى المحكمة المختصة خاصة أن المعقب ضدها لم تقدّم اية وثيقة تؤيد طلب الطرد مما يجعل طلبها مجرد وغير وجيه وأن الحكم المطعون فيه لا يتضمن أية إشارة إلى دفوعات منوبه ولا إلى طلباته مما يجعل قضاءه هاضما لحقوق الدفاع ومتصفا بضعف التعليل وطلب النقض والإحالة.
المحكمة
عن المطعن الأوّل :
حيث أن مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بالفصل 21-10 من م.ش هي تعويض للعامل عن إعفائه من العمل من طرف مؤجره اثر مرور الأخير بصعوبة اقتصادية حتمت التوقف عن العمل.
وحيث أنّ المكافأة التي تعرض لها المشرّع صلب الفصل 21-10 تختلف عن مكافأة نهاية الخدمة التي جاء بها الفصل 22 من نفس المجلة ذلك أن هذه الأخيرة تكون في اطار التعويض العادي للعامل عند طرده وهي تأتي مع جملة التعويضات في حين أن المكافأة الواردة بالفصل 21-10 هي منحة خاصة بالعملة الواقع الاستغناء عن خدماتهم نتيجة الصعوبات الاقتصاديّة التي تتعرض لها المؤسسة وتمثل التعويض الوحيد لهؤلاء العمال
وحيث أن طريقة احتساب هذه المنحة هي غير الطريقة الواردة بالفصل 22 من م.ش الذي يتعلق بمكافأة مضبوطة بموجب القانون وتخضع لعناصر تقدير مضبوطة ولها سقف معين ولا تقبل الاجتهاد إلا في حدود تلك العناصر في حين أن تقدير مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بالفصل 21-10 لم يقع تحديده بعناصر موضوعية يبقى خاضعا لاتفاق الطرفين واجتهاد اللجنة.
وحيث أن الفصل 21-10 من م.ش ولئن لم يخوّل بصفة صريحة لجنة مراقبة الطرد حق تقدير المكافأة إلا أنه منحها حق إبداء الرأي في خصوصها ويفهم من ذلك أن تحديد مبلغ المكافأة يكون بالتفاوض بين الطرفين تحت إشراف اللجنة وفي صورة اتفاق الطرفين فإنّ اللجنة تقسم ذلك الاتفاق بتحرير محضر في الغرض تكون له القوت التنفيذية بين الطرفين حسب الفصل 21-11 من م.ش أما في صورة عدم الاتفاق فإن الموضوع يعرض على النقاش من طرف أعضاء اللجنة ويتخذ القرار المتعلق بتحديد مبلغ المكافأة بالأغلبية حسب الفصل 21-6 من م.ش ويحتفظ كل طرف بحل اللجوء إلى المحكمة المختصة حسب الفصل 21-11 من م.ش
وحيث أن المنحى الذي انتهجته محكمة الحكم المطعون فيه على اعتبار أنّ تقدير مكافأة نهاية الخدمة في صورة الإعفاء لأسباب اقتصاديّة يكون بالاعتماد على عناصر التفدير الواردة بالفصل 22 من م.ش لكون الفصلين 21 و22 من م.ش تضمنا نفس التسمية للمنحة مستعملين عبارة مكافأة نهاية الخدمة وطالما كانت التسمية واحدة فإن التقدير يكون بالاعتماد على العناصر الواردة بالفصل 22 من م.ش في غياب عناصر تقدير أخرى خاصة ضبطها المشرّع وبالتالي فلا مجال للتفريق بينها دون البحث في الغاية التي أقرت من أجلها كل منحة من شانه أن يفرع الفصل 21-10 من جزء من مضمونه إذ ما جدوى تدخل لجنة مراقبة الطرد في تجديد مبلغ المكافأة وما الغاية من التجاء الطرف الغير الموافق على التقدير إلى المحكمة المختصة طالما أن مبلغ المكافأة محدّد مسبقا حسب العناصر الواردة بالفصل 22 من م.ش
وحيث أن الحكم المطعون فيه والحالة تلك يكون قد خرق القانون وأساء تطبيقه واتجه نقضه
عن المطعن الثاني :
حيث إن مسألة وجود العقوبة الاقتصادية من عدمه قد تم حسمه من اللجنة الجهوية لمراقبة الطرد بعد قيامها بالتحريات والأبحاث اللازمة وبالتالي فإنّ الطلب الرامي إلى إجراء بحث ميداني بواسطة تفقدية الشغل حول هذه النقطة لا جدوى من ورائه طالما أن المتفقد الجهوي للشغل هو من بين أعضاء لجنة مراقبة الطرد ودوره في اتخاذ القرار النهائي لا يخفى على أحد واتجه تبعا لذلك ردّ هذا المطعن
ولهذه الاسباب
قررت المحكمة قبول مطلب التعقيب شكلا وأصلا ونقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضيّة على المحكمة الابتدائية بصفاقس بوصفها محكمة استئناف لأحكام دوائر الشغل التابعة لها لإعادة النظر فيها بهيئة أخرى.
وصدر هذا القرار بحجرة الشورى يوم الاربعاء 27 سبتمبر2000 عن الدائرة المدنيّة السادسة المتركبة من رئيسها السيد فرج العبيدي وعضوية المستشارين السيد اسماعيل ورير والشريف الشنيتي وبحضور المدّعي العمومي السيدة سميرة القابسي وبمساعدة كاتبة الجلسة السيد صلاح الجنادي
وحرر في تاريخه

يمكن تعريف مكافأة نهاية الخدمة بأنها المبلغ الذي يسند للعامل المرتبط بعقد عمل غير محدّد المدّة عند وضع حدّ للعقد بصورة نهائيّة بموجب الطرد وفي غياب هفوة فادحة من العامل.
وقد وردت مكافأة نهاية الخدمة بمجلة الشغل في حالتين وهي أولا حالة الطرد التعسفي من طرف المؤجر وثانيا حالة الطرد لأسباب اقتصادية.

تعلّق هذا القرار الصادر عن محكمة التعقيب بتاريخ 13 ديسمبر 2000 بطريقة احتساب مبلغ مكافأة نهاية الخدمة في صورة الطرد الواقع في الحالة الثانية أي الطرد لأسباب اقتصادية.

تمثلت الوقائع في انعقاد اللجنة الجهويّة لمراقبة الطرد وإقرارها بضرورة إعفاء العملة بالمؤسسة وإسناد مكافأة نهاية خدمة قدرها 11000 دينارا وهو ما عارضه المؤجّر وأدى به للقيام أمام الدائرة الشغليّة بمقولة أن احتساب مكافأة نهاية الخدمة كان غير قانوني لأنه خالف أحكام الفصل 22 من مجلة الشغل التي تفترض أن لا تتجاوز المكافأة في كل الحالات 3 أشهر عمل.

قضت المحكمة ابتدائيّا بعدم سماع دعوى المؤجّر وإقرار مبلغ مكافاة نهاية الخدمة المعتمد من طرف لجنة مراقبة الطرد بناء على ثبوت الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها المؤسسة وهو ما أدّى بالمؤجر إلى الطعن بالاستئناف في الحكم المذكور بناء على أن الفصل 22 من مجلة الشغل هو الذي يحدّد طريقة احتساب مكافأة نهاية الخدمة ولا مجال لتمييز حالة الطرد لأسباب اقتصادية بطريقة احتساب مختلفة وهو طعن تم قبوله شكلا من طرف المحكمة الابتدائية بصفاقس بوصفها محكمة استئناف لأحكام دوائر الشغل التابعة لها مع تعديل الحكم وذلك بالحط من مبلغ مكافأة نهاية الخدمة غلى الحدود المضبوطة بالفصل 22 من مجلة الشغل.

تعهّدت محكمة التعقيب بالموضوع بناء على تعقيب الأجير الذي تم الحط من مبلغ مكافأة نهاية الخدمة المسندة إليه اعتمادا على الفصل 22 من مجلة الشغل وتمثل المطعن الرئيسي في أن مكافأة نهاية الخدمة المسندة بموجب توقف المؤسسة لأسباب اقتصادية تختلف في طريقة احتسابها عن تلك المسندة عند الطرد التعسفي لكون الأولى ذات صبغة تعويضية صرفة في حين الثانية تمثل غرم ضرر عن فسخ العقد من جانب المؤجر ولكون الأولى تمر حتما بقرار لجنة الطرد واقتراحها وهي خاضعة لاتفاق الطرفين في حين أن الثانية تخضع لمعايير موضوعيّة وثابتة مضبوطة من المشرّع لا يمكن أن تتجاوز ثلاثة أشهر.

تمثل الإشكال القانوني المطروح أمام محكمة التعقيب في معرفة طريقة احتساب مكافأة نهاية الخدمة في صورة الطرد لأسباب اقتصادية وفنية؟ هل يكون ذلك اعتمادا على المعاير المضبوطة بالفصل 22 من مجلة الشغل أم لا ؟

الفصل 22 من مجلة الشغل : "كل عامل مرتبط بعقد لمدّة غير معينة وقع طرده بعد انقضاء فترة التجربة يستحق فيما عدا صورة الخطأ الفادح مكافأة نهاية الخدمة تقدّر بأجر يوم عمل عن كل شهر عمل فعلي في نفس المؤسسة وذلك على أساس الأجر الذي يتقاضاه العامل عند الطرد مع مراعاة جميع الامتيازات التي ليست لها صبغة إرجاع مصاريف.

ولا يمكن أن تفوق هذه المكافأة أجر ثلاثة أشهر مهما كانت مدّة العمل الفعلي إلا في صورة وجود شروط أحسن جاء بها القانون أو الاتفاقيات المشتركة أو الخاصّة"

الفصل 21-10 من مجلة الشغل  (في إطار الطرد لأسباب اقتصادية) :
 "في صورة قبول طلب الطرد تبدي اللجنة رأيها في مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل وتسعى للتوفيق بين الطرفين المعنيين حول مبلغ المكافأة وللقيام بدفعها حالا كما تدرس إمكانية تشغيل العملة المطرودين في مؤسسات أخرى"

ذهبت محكمة التعقيب في هذا القرار إلى الجواب بالنفي إذ اعتبرت أنّ احتساب مكافأة نهاية الخدمة في صورة الطرد لأسباب اقتصادية وفنيّة لا يخضع لمعايير الفصل 22 من مجلة الشغل وهي بذلك لم ترتّب أي أثر لوحدة التسمية في مجلة الشغل و اعتبرت أنّ الأمر يتعلق بمؤسستين لا تتحدان بصورة تامّة في الغاية القانونية و استدلت على ذلك أيضا بالاختلاف في الإجراءات القانونية.

وحدة التسمية لا تعني وحدة النظام القانوني :

 التسمية الواحدة في الفصلين 22 و21-10 من مجلة الشغل لم تجعل المحكمة تذهب في اتجاه وحدة عناصر التقدير أي أجرة يوم عن كل شهر عمل فعلي في المؤسسة بسق أقصى لا يتجاوز ثلاث اشهر.

والملاحظ في هذا الإطار أن توحيد التسمية هو نتاج التسلسل التاريخي لتنقيح مجلة الشغل في تسعينيات القرن الماضي حيث صدر في مرحلة أولى القانون عـ29ـدد لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 و تحولت عبارة " منحة الطرد " بالفصل 22 من مجلة الشغل إلى "مكافأة نهاية الخدمة" ثم وبموجب التنقيح المؤرخ في 15 جويلية 1996 بمقتضى القانون عـ62ـدد لسنة 1996  حلّت عبارة " مكافأة نهاية الخدمة "مكان عبارة"غرامة الإعفاء" المنصوص عليها بالفصل 394 من المجلة الواقع والذي وقع إلغاءه وتعويض أحكامه بالفصل 21-10 وقد كان الفصل 394 قديم الملغى بموجب القانون عـ62ـدد لسنة 1996  ينص على ما يلي" تبدي اللجنة رأيها في غرامة الإعفاء الواجب منحها عملا بالاتفاقيات المشتركة أو عقد الشغل الشخصيّة أو العادات" وأصبح الفصل 21-10 ينصّ على أن"...اللجنة تبدي رأيها في مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل..."

قد يكون من الجائز القول أنّ توحيد التسمية والتنصيص بوضوح صلب تنقيح 1996 بعد إلغاء الفصل 394 على عبارة "مكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل" يعني منطقا وحدة احتساب مقدار المكافأة في الحالتين ضرورة أن المشرّع حين يطلق نفس العبارة على مؤسسة معينة فإنّه يعني ضرورة نفس المؤسسة القانونية ونفس النظام القانوني.
لم يكن هذا هو اتجاه محكمة التعقيب التي لم ترتب أية نتيجة عن مسألة التسمية الموحّدة وخيرت اعتماد منهج آخر يعتمد الاختلاف في الأساس القانوني والاختلاف في الإجراءات  لينتهي إلى ضرورة تمييز حالة الطرد لأسباب اقتصادية بتقديرات مختلفة فيما يتعلق بالمكافأة.

اختلاف الغاية من مكافأة نهاية الخدمة في الحالتين :

اعتبرت المحكمة أنّ المكافأة في صورة الطرد التعسفي تندرج في إطار التعويض العادي للعمل مع جملة من التعويضات الأخرى في حين أنها تكون التعويض الوحيد للعملة عند الاستغناء عن خدماتهم لأسباب اقتصاديّة وهو ما يجعلها مختلفة من حيث أساسها والغاية منها.

ولعلّ المحكمة حين تشير إلى أنها "التعويض الوحيد للعامل" تريد تبرير إمكانية تجاوز المكافأة للسقف المضبوط بالفصل 22 من مجلة الشغل المحدّد بثلاث أشهر. إلا أن المسألة قد تحتاج إلى أكثر من هذا التحليل المقتضب ضرورة أنّه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن الأمر يتعلّق بعامل أعفي لأسباب اقتصاديّة لمرور المؤسسة بصعوبات وهي وجهة نظر قد تؤدّي إلى نتائج مخالفة تماما إذ كيف يمكن التسليم بأن المؤسسة التي مرت بصعوبات اقتصادية عليها أن تدفع مكافأة مقدراها أكثر من المكافأة التي تدفعها مؤسسة لا تمر بأية صعوبة.

و فضلا عن ذلك فإنّ الأمر عـ1926 لسنة 1997 نص بوضوح على المبالغ التي تتكفل الدولة بتمكين العامل منها في صورة عجز المؤسسة عن دفعها وتمت الإشارة صلبه إلى " مبلغ مكافأة نهاية الخدمة في حدود المبالغ المضبوطة طبقا لأحكام مجلة الشغل أو العقود المشتركة".

 الأمر عـ1926ـدد لسنة 1997 المتعلق بضبط شروط وأساليب التكفل بمنحة المغادرة لأسباب اقتصادية أوفنية تؤدّي إلى نفس المعنى حيث ينص الفصل 4 من هذا الأمر المؤرخ في 29 سبتمبر 1997 على ما يلي :
" يشمل التكلف بمنحة المغادرة لأسباب اقتصادية أو فنية المبلغ المستحق بصفة قانونية لفائدة العمّال المشار إليهم ويتكون المبلغ المشار إليه من العناصر التالية :
-         الأجور وتوابعها التي لم يقع دفعها
-         الرخص خالصة الأجر التي لم يقع دفعها
-         منحة الإعلام بالطرد
-         مبلغ مكافأة نهاية الخدمة في حدود المبالغ المضبوطة طبقا لأحكام مجلة الشغل أو العقود المشتركة.


الجدوى من اختلاف الإجراءات القانونية للحالتين:

أسست المحكمة قضاءها على مقولة أن إجراءات الفصل 21-10 مختلفة وأنها تتأسس على اقتراح من طرف لجنة الطرد ولا تتعهد المحكمة المختصة بالنظر إلا في صورة خلاف  ووجود طرف غير موافق واستنتجت من ذلك أنّه إذا كان مبلغ المكافأة محدّد مسبقا حسب عناصر الفصل 22 من مجلة الشغل فإنّ هذه الإجراءات تصبح دون جدوى.

ويمكن الردّ على هذه الحجّة بأنّ الاختلاف بين الحالتين يتعلق بمدى وجود حدّ أقصى لمكافأة نهاية الخدمة وهو ما يعني أن الإجراءات المذكورة لا تفقد جدواها طالما أنّ المسألة تتعلق بتقديرات يمكن الاختلاف بشأنها حتى داخل هذه الحدود المضبوطة بالفصل 22 من مجلة الشغل وفي كل الحالات فلا شيء يمنع اللجنة الجهوية لمراقبة الطرد من احترام الفصل 22 من م.ش سيما وأن تقدير قيمة المكافأة ليست المهمة الوحيدة التي تضطلع بها اللجنة ولعل مهمتها الأولى كما ورد بالقرار نفسه هي القيام بالتحريات والأعمال اللازمة لمعاينة وجود الصعوبة الاقتصادية ممّا يدفع للقول بأن الجدوى من هذه الإجراءات تبقى موجودة حتى عند تقدير مبلغ المكافأة وفقا لمعايير الفصل 22 من مجلة الشغل.

samedi 9 février 2019

هل يجوز الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص الترابي في نزاع الشغل؟؟

كثيرا ما تحتوي عقود الشغل على بند يسند الاختصاص الترابي لمحكمة معينة في صورة نزاع بين طرفي العقد. هل يمكن أن يتفق الطرفان على محكمة تختص ترابيّا للنظر في الخصومة تختلف عن مرجع النظر المبين بمجلة الشغل في الفصل 214 ؟ ما مدى حجية هذا الاتفاق إزاء الطرفين؟ تتعلق المسألة إجرائيّا بمدى جواز الدفع بعدم الاختصاص الترابي أمام دائرة الشغل بناء على اتفاق الطرفين؟
يحدّد الفصل 214 من مجلة الشغل المحكمة المختصة بالنظر ترابيّا في نزاع الشغل وهي محكمة مكان المؤسسة التي يقع بها إنجاز العمل ومكان إقامة العامل عند إنجاز العمل خارج المؤسسة ويمكن للعامل فضلا عن ذلك رفع النزاع بمكان التعاقد.
"ترفع النزاعات لدى دائرة الشغل حيث توجد بدائرتها المؤسسة التي يتم فيها إنجاز العمل.وفي صورة إنجاز العمل خارج المؤسسة فإنّ النزاع يرفع لدى دائرة الشغل التي يوجد بدائرتها مكان إقامة العاملويمكن لهذا الأخير في جميع الحالات رفع الدعوى أمام دائرة الشغل التي تم بدائرتها التعاقد. وإذا كانت دائرة الشغل مقسّمة إلى عدّة فروع فإنّ تحديد الفرع المختص يتم حسب نشاط المؤسسة مهما كانت صبغتها."كما اقتضى الفصل 232 من مجلة الشغل أنه تنطبق على أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية ما لم تخالف أحكام المنصوص عليها بهذا العنوان"
بالنسبة لقواعد الاختصاص الترابي بصورة عامّة تقرّ القاعدة أنّه يمكن الاتفاق على قواعد الاختصاص الترابي باعتبار أنها لا تهم النظام العام وتمنع المحكمة من التمسك بعدم الاختصاص الترابي من تلقاء نفسها. وقد اقتضى الفصل 18 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية أن الخصم الذي يقع استدعاؤه لدى محكمة متحدة الدرجة مع المحكمة التي يجب رفع القضيّة لديها له طلب التخلي عنها للمحكمة الراجع إليها النظر بشرط أن يقدم طلبه قبل الخوض في أصل القضيّة وإلا فمطلبه غير مقبول.
غير أنّ تطوّر فقه القضاء ذهب في اتجاه اعتبار قواعد الاختصاص الترابي تهم النظام العام كلما تدخّل المشرّع بصورة مخصوصة لتحديدها وكلّما تخلى المشرّع لأسباب معيّنة عن معيار قاعدة مقر المطلوب مثلما هو الأمر في المادّة الشغلية.
وقد تبلور هذا المنحى في أحد أهم القرارات الصادرة عن الدوائر المجتمعة في مادّة الاختصاص الترابي بتاريخ 9 مارس 2006 عندما أقرت الأخيرة المبدأ التالي :

 "إنّ قاعدة سعي الدائن لدى مدينه لمقاضاته أمام المحكمة التي بدائرتها مقره القانوني قاعدة إجرائية لا تهم إلا مصالح الخصوم لكنها هي الأصل والأساس لتحديد مرجع النظر الترابي للمحاكم طالما بقي مقر المطلوب هو العنصر المحدّد للاختصاص أمّا عندما يتخلى المشرّع عن هذا المعيار ويختار غيره لتحديد مرجع النظر الترابي كأن يختار لتحديده موقع العقّار، فإنّ تلك القاعدة تفقد طبيعتها كقاعدة راعية لمصالح الخصوم الشخصيّة لتصبح قاعدة منظمة لمرفق العدالة وراعية لحسن سير القضاء وتلك القواعد الآمرة تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها."
صدر هذا القرار عن محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة برئاسة القاضي المبروك بن موسى بتاريخ 9 مارس 2006 تحت عـ749ـدد ولئن كان القرار صادرا في مادّة الأكرية التجارية فإنّه يحدّد  بعبارات عامّة مبدأ على غاية من الأهميّة وهي أنّ قواعد الاختصاص الترابي عندما يحدّدها المشرّع بصورة خاصّة متخليا عن معيار مقر المطلوب تصبح قواعد آمرة تهم النظام العام.
يساند هذا الموقف الأستاذان  الحسين بن سليمة وأحمد الجندوبي حين يكتبان  "....قواعد الاختصاص الترابي لا تهم النظام العام ويجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها غير أن المشرّع في حالات استثنائيّة ولعدّة اعتبارات تتعلق بالنظام العام جعل الاختصاص الترابي في دعاوى معينة لمحكمة معينة بالذات من المحاكم، وعلى ذلك فإنه لا يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفة تلك القواعد"
بالنسبة للمادّة الشغلية فإن ما تطرحه قواعد الاختصاص الترابي من إشكالات لا تختلف عن الإشكالات التي تطرح في الموضوع في غير مجال الشغل. هل يمكن اعتبار أن ما يتفق عليه الطرفان يقوم مقام القانون فيما بينهما و بالتالي ترتيب النتائج القانونية عن الاتفاق الذي يخالف أحكام الفصل 214 من مجلة الشغل أم أن الأمر يتعلق بأحكام تهم النظام العام حدّدها المشرّع بصورة خاصّة و لا يمكن الاتفاق على خلافها ؟؟؟

ذهبت محكمة التعقيب نحو اعتبار قواعد الفصل 214 من مجلة الشغل تهم النظام العام ولا يجوز الاتفاق على خلافها من ذلك القرار التعقيبي المدني عـ60873ـدد مؤرخ في 3 أكتوبر 2011 الذي اقر المبدأ التالي  " إن أحكام الفصل 214 من م.ش جاءت واضحة وآمرة وتضمنت مرجع النظر الترابي في المادّة الشغليّة دون ترك مجال للأطراف على الاتفاق على مخالفتها
إنّ ما انتهت إليه محكمة الحكم المطعون فيه لما اعتبرت أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفة الفصل 214 من م.ش المنظم لقواعد مرجع النظر الترابي جاء سليما وموفقا وقانونيّا ومسايرا لمحكمة التعقيب بحكم أنّ مجلة الشغل هي قانون خاص وبالتالي يسبق في التطبيق على القانون العام فضلا عن صلته بأحكام النظام العام مما يتعيّن معه ردّ هذا الدفع لعدم وجاهته.
يجد هذا الموقف صداه لدى عديد المحاكم ومنها محكمة الاستئناف بصفاقس في قرار لها عـ65366ـدد بتاريخ 22 جوان 2016، منشور بمؤلف إشكالات في قانون الشغل ج 1 جمعية الحقوقيين بصفاقس ص.725 ...وقد أقرت محكمة الاستئناف المذكورة في هذا القرار ما يلي "حيث حدّد الفصل 214 من مجلة الشغل على وجه الحصر الدوائر الشغليّة المختصة ترابيا بالنزاع الشغلي ولم يسمح لطرفي النزاع بأن يرفعا دعواهما إلى دائرة شغليّة غير الدوائر التي حدّدها اعتمادا على المعايير التي ضبطها وهي مكان المؤسسة التي يقع بها إنجاز العمل ومكان إقامة العامل عند إنجاز العمل خارج المؤسسة بالنسبة للطرفين ومكان التعاقد بالنسبة للعامل فقط وقد كانت صياغة الفصل 214 من مجلة الشغل في صيغة الوجوب بالنسبة لتحديد الدائرة الشغليّة المختصة ترابيّا عند إنجاز العمل بالمؤسسة أو خارجها. وبالتالي فإنّ الاختصاص الترابي في هذين الحالتين يهم النظام العام ولا يمكن للطرفين مخالفته بالاتفاق على معيار آخر لتحديده. من ذلك أنّ الاتفاق بعقد الشغل على تعيين الاختصاص الترابي لدائرة شغلية أخرى لا عمل عليه وهو ما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب من ذلك القرار التعقيبي عـ67867ـدد الصادر في 21 أكتوبر 1998 الذي أكدت فيه محكمة التعقيب أن قواعد مرجع النظر الترابي في المادّة الشغلية ينظمها الفصل 214 من مجلة الشغل وبحكم أنّ هذه المجلة هي قانون خاص ولها زيادة على ذلك صيغة اجتماعية فإنّ صلتها بأحكام النظام العام المدنية والتجارية.أما القرارات التعقيبية المستند إليها بمستندات الاستئناف فإنها تتعلق بالاختصاص الترابي في المادّة المدنية والتجارية تطبيقا لمقتضيات الفصل 30 وما بعده من م م م ت ولا تتعلق بالاختصاص الترابي في المادّة الشغليّة بما يتعين معه ردّ هذا المطعن"
وكان الطرف المستأنف قد أسس مستندات استئنافه في هذه القضية على مقولة أن الاختصاص الترابي هو اختصاص عادي ويمكن الاتفاق على مخالفة مقتضياته خلافا للاختصاص الحكمي ويؤكد ذلك بالنسبة للمستأنف قرارات تعقيبية منها القرار عـ1017 بتاريخ 13/02/1962 والقرار عـ8921ـدد بتاريخ 12/04/1973 وعـ7811ـدد بتاريخ 24/02/1983 اعتبرت محكمة الاستئناف بصفاقس ردّا على ذلك أنها قرارات غير صادرة في المدّة الشغليّة.
وقد أسست محكمة الاستئناف بصفاقس قضائها فيما أسست على القرار التعقيبي المدني عدد67867 مؤرخ في 21 أكتوبر1998، ن.م.ت لسنة 1998 قسم2،ص.409 وهو قرار صدر متضمنا بوضوح المبدأ التالي : " حيث أنّ التمسك بعدم الاختصاص الترابي للمحكمة المتعهدة بالدعوى يجب أن يثار قبل الخوض في الأصل وبما أنه ثبت أن نائب المدّعى عليه قد أجاب على أصل الدعوى قبل إثارة مسألة الاختصاص فإنّ المطعن المتمسك به لم يكن في طريقه واتجه ردّه"  
هل يعني هذا وفقا لهذا القرار أنّ النتيجة تكون مغايرة لو وقع التمسك بالدفع قبل الخوض في الأصل؟ يقينا لا يحسم هذا القرار الأمر بصورة مبدئية ويجعل من جواز الاتفاق على مخالفة قواعد الفصل 214 من مجلة الشغل أمرا واردا فضلا عن أنّ وقائع القضيّة تفيد أنّ الخيار هو بين حلّين من داخل الفصل 214 من مجلة الشغل ذاته أي أنّ الاتفاق بين الطرفين اقتضى أن النزاع يرفع لدى المحاكم المنتصبة بتونس وهي محكمة مكان تحرير العقد حسب الفقرة الثالثة من الفصل 214 من م.ش في حين رفعت الدعوى وفقا للفقرة الأولى من الفصل المذكور.
في نفس الاتجاه يمكن القول أنّ الأمر ما زال محل تردد لدى محكمة التعقيب نفسها حيث أنها اعتبرت في مناسبات أخرى ومنها القرار عـ56247ـدد مؤرخ في 26 جانفي 1998 ن.م.ت  1998، م.م.م.ت  ج.1 ص.31 أن عدم الدفع بخرق قواعد الاختصاص الترابي أمام محكمة الموضوع والسكوت أمام محكمة البداية دون طلب أجل للجواب ودون طلب التخلي مما يجعل المحكمة تبت في أصل النزاع يجعل من التمسك بعدم الاختصاص الترابي أمام محكمة الدرجة الثانية مردود على صاحبه طالما أنّ إثارة الدفع بعدم الاختصاص يكون قبل الخوض في الأصل.
كانت محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكم استئناف لأحكام دوائر الشغل قضت  بنقض الحكم الابتدائي الذي صدر لصالح دعوى العامل بالآداء وذلك لعدم الاختصاص الترابي ونقضت محكمة التعقيب هذا القرار معتبرة أن الدفع بعدم الاختصاص الترابي يجب أن يتم قبل خوض المحكمة في الأصل وأنّ عدم إثارته وعدم التمسك بوجوب التخلي لفائدة المحكمة المختصة منذ الطور الابتدائي يعدّ رضاء وقبولا بالتقاضي أمامها لا يخول التمسك به لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية.
تكرر نفس التمشي تقريبا في القرار التعقيبي عـ17747ـدد بتاريخ 12 ماي 2008
في هاذين القرارين تذكّر محكمة التعقيب بقواعد الدفع بعدم الاختصاص الترابي وبوجوب الدفع بها قبل بت المحكمة في الأصل دون أن تنكر بوضوح عدم جواز الاتفاق على ما يخالف قواعد الفصل 214 من مجلة الشغل وهي بذلك تترك المجال مفتوحا أمام اعتماد مثل هذا الاتفاق بمعنى أن السؤال يبقى مطروحا هل تكون النتيجة مختلفة لو أن الدفع بعدم الاختصاص يتم منذ الطور الابتدائي؟؟
يمكن الجزم بأن الاتجاه المتغلب هو اعتبار أنه لا يمكن الاتفاق على مخالفة قواعد الاختصاص الترابي في المادّة الشغليّة المسطّرة بالفصل 214 من مجلة الشغل إلا أنه لا يجب التقليل من قيمة المفعول السحري لمبدأ "العقد شريعة الطرفين" التي كلّما دفع بها أمام القاضي إلا وبثت ارتباكا وحيرة.


قد يكون لهذه القراءة أثر في توجه عديد محاكم الأصل التي لا تزال تعتبر قواعد الاختصاص الترابي قواعد لا تهم إلا مصلحة الخصوم يمكن الاتفاق على خلافها بناءا على مبدأ " العقد شريعة الطرفين"  من ذلك الحكم الابتدائي الصادر عن دائرة الشغل بالمحكمة الابتدائية بزغوان بتاريخ 3/04/2014 عـ14157ـدد والحكم الابتدائي عـ13813ـدد الصادر عن نفس المرجع بتاريخ 13/03/2014.


تمثلت وقائع القضيتين في قيام العامل بدعوى شغلية أمام المحكمة الابتدائية بزغوان وهي المحكمة التي توجد بدائرتها المؤسسة وأمام دفع المؤجر بعدم اختصاص المحكمة ترابيّا بناء على شرط في عقد الشغل يجعل من المحكمة المختصة في صورة نزاع محكمة تونس العاصمة قضت المحكمة في الملفين برفض الدعوى بناء على عدم الاختصاص الترابي ملاحظة أنه " لئن نص الفصل 214 من م ش على إمكانية رفع النزاع من العامل أمام دائرة الشغل التي توجد بدائرتها المؤسسة التي يتم فيا إنجاز العمل أو مكان إقامة العامل أو التي بها التعاقد إلا أن المشرّع لم بمنع طرفي التعاقد من الاتفاق على تحديد المحكمة المختصة ترابيّا و...يبقى العقد شريعة الطرفين"