mercredi 12 septembre 2018

محكمة التعقيب : بداية سريان أجل القيام في الدعاوى الشغلية. الدوائر المجتمعة عـ16672ـدد بتاريخ 27 أفريل 2017

ماهو منطلق احتساب أجل العام الذي بانقضائه تسقط الدعوى الشغلية فيما يتعلق بالمنح ؟ هل هو تاريخ استحقاق تلك المنح أم تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية ؟


تلك هي المسألة التي عرضت على أنظار الدوائر المجتمعة للبت فيها في القضية عـ16672ـدد بتارخ في 27/04/2017 و قد كانت مسألة تاريخ بداية احتساب الأجل بالنسبة للمنح والمستحقات الشغلية محل تباين في المواقف إذ كانت محكمة التعقيب قد اعتبرت في بعض القرارات أنّ الأجل يبدأ احتسابه من تاريخ استحقاق المنحة وذلك بخلاف الدعاوى الشغلية موضوع غرامات الطرد[1] في حين ذهبت في عديد المناسبات الأخرى إلى اعتبار أنّ بداية احتساب الأجل بالنسبة للمنح والمستحقات يكون من تاريخ قطع العلاقة الشغلية كغيرها من الدعاوى الشغلية[2]

تمثلت وقائع القضية المعروضة لنظر الدوائر المجتمعة في قيام الأجير بدعوى شغلية طالبا إلزام مؤجره بآداء جملة من المبالغ بعنوان مستحقاته المستوجبة قانونا فقضي لفائدته ابتدائيّا من طرف دائرة الشغل بالمحكمة الابتدائية ببن عروس في القضية عـ34400ـدد بتاريخ 26/05/2011 ثم نهائيّا من طرف محكمة الاستئناف بتونس في القضية عـ25939ـدد بتاريخ 27/03/2012 وذلك بإلزام المؤجر بأن يؤدّي له جملة من المبالغ المتفاوتة بعنوان منحة عيد الفطر ومنحة عيد الاضحى ومنحة الحضور ومنحة النقل ومنحة القفة ومنحة لباس الشغل وبعنوان الفارق في الأجر ومنحة الراحة السنوية ومنحة الانتاج.

وبموجب طعن المؤجر المحكوم ضده بالتعقيب  قضت محكمة التعقيب في القرار عـ77122ـدد بتاريخ 1/10/2012 بالنقض والإحالة وكان النقض مؤسسا على أنّ حق القيام بالدعوى التي تتعلق بالأجور والمنافع الاجتماعية يسقط بمرور عام من تاريخ استحقاقها في حين أن الدعاوى المتعلقة بغرامات ومنح الطرد تسقط بمرور عام من تاريخ قطع العلاقة الشغلية.

تمسكت محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة إحالة بموقفها في الحكم الاستئنافي عـ48195ـدد بتاريخ 25/04/2014 وقضت بإلزام المؤجر بأن يؤدّي جملة المبالغ المالية المتمثلة في المنح المذكورة معتبرة أنّ أجل سقوط حق القيام بالدعوى الشغلية مهما كان نوعها يبدأ احتسابه من تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية دون تمييز بين الدعاوى المتعلقة بالمستحقات الشغلية الناجمة عن تنفيذ العقد أو تلك المتعلقة بالتعويض عن الطرد.

الفصل 147 من مجلة الشغل : إنّ الدعاوى مهما كان نوعها بين المؤجرين والعمّال والمنظمات المشرفة على المنافع الاجتماعية المترتبة عن علاقات الشغل يسقط حق القيام بها بمرور عام من الزمن

الفصل 148 من مجلة الشغل: عندما يتعلق الأمر بدعاوى بين مؤجرين وعملة فإنّه يسقط حق القيام بها ابتداءا من تاريخ انتهاء علاقة الشغل. وفي ما يخص المنافع الاجتماعية فإنّ بداية سقوط الحق في القيام بالدعوى مضبوطة بالنصوص الخاصّة المتعلقة بالحق المذكور

الفصل 23 من مجلة الشغل : ....كل دعوى للتحصيل على الغرم من أجل القطع التعسفي لعقد الشغل من أحد الطرفين يجب تقديمها لكتابة دائرة الشغل خلال العام الذي يلي القطع وإلا سقطت هذه الدعوى

الفصل 393 من مجلة الالتزامات والعقود : سقوط الدعوى بمرور الزمان لا يتسلّط على الحقوق إلا من وقت حصولها...

الفصل 403 من مجلة الالتزامات والعقود : تسقط الدعوى بمضي عام ذي ثلاثة وخمسة وستين يوما.....فيما يطلبه العملة والصناع وأصحاب الحرف عن أجرتهم وعمّا دفعوه من البضائع والمصاريف بمناسبة خدمتهم وكذلك ما سبقه المستخدم لصناعه وأجرائه بذلك العنوان

تعهّدت الدوائر المجتمعة بالموضوع بموجب طعن المؤجر في الحكم ألاستئنافي المذكور لنفس السبب والمتمثل في خرق أحكام الفصلين 147 و 148 من مجلة الشغل وتأسس الطعن على مقولة أنّ المشرع فرّق بين الدعاوى الواردة بالفصل 147 وتلك التي وردت بالفصل 148 والتي يستنتج من قراءتها أنّ أجل التقادم بالنسبة للمطالبة بالمستحقات الشغلية ينطلق من تاريخ استحقاق المنحة أو الأجر ولا فرق بين المطالبة بها عند قيام العلاقة الشغلية أو بعد انقطاعها في حين أنّ سقوط الدعوى الشغليّة فيما يتعلّق بغرامات ومنح الطرد ينطلق أجله من حصول واقعة الطرد.


اعتبرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة أنّ منطلق احتساب أجل القيام في الدعاوى الشغلية المتعلقة بالمنح والمستحقات هو انقطاع العلاقة الشغلية ولا فرق في ذلك بين هذه الدعاوى و الدعاوى المتعلقة بغرامات الطرد وانتهت إلى رفض مطلب التعقيب أصلا بعد أن تطرقت المحكمة في مرحلة أولى إلى طبيعة الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 من م ش ثم تطرقت إلى بيان موضوع الفصلين المذكورين وتحديد عبارة "المنافع الاجتماعية" الواردة بالفصل 148.

 أولا : طبيعة الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 من م ش : أجل تقادم

تطرقت الدوائر المجتمعة في بداية عرضها للمسألة إلى طبيعة الأجل المذكور بالفصلين 147 و 148 من مجلة الشغل معتبرة بعبارات صارمة أنه لا يمكن أن يكون إلا أجل تقادم يقبل القطع.
الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 هو أجل تقادم يقبل القطع وليس أجل سقوط  ضرورة أن ذكر السقوط بالفصلين "جاء بالمعنى العام المعتمد" في سائر الأحكام المتعلقة بأجل القيام بالدعوى كما هو الحال بالنسبة للفصول 384 وما بعده من م ا ع وخاصة الفصل 385 من م ا ع الذي أقر أن "سقوط الدعوى بمرور الزمن لا يقوم بنفسه بل يحتج به من له مصلحة" بخلاف المسقطات التي تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها عملا بالفصل 14 من م م م ت وهو ما يعني بالنسبة للدوائر المجتمعة أنّ القول بأن الأجل في الفصلين 147 و148 من مجلة الشغل هو أجل مسقط "لا مجال له ولا يستقيم ولا يجد أساس  له بل ويتعارض مع أحكام القانون وتعين استبعاده ويتجه اعتبار أنّ الأجل الوارد بالفصل 147 و148 من م ش هو أجل تقادم يقبل القطع"
وكانت محكمة التعقيب اعتبرت في عديد المناسبات الأخرى أنّ الأجل المذكور هو أجل سقوط لا يقبل القطع أو التعليق[3].

ثانيا : مناط أحكام الفصلين 147 و148 من مجلة الشغل: جميع الدعاوى الشغلية.

 اعتبرت الدوائر المجتمعة أنّ الفصل 147 من م ش ينظم الدعاوى مهما كان نوعها "سواء بين الأجير ومؤجره أو بين المنظمات المشرقة على المنافع الاجتماعية" وهو ما يعني أنّ  المقصود بالقضايا الواردة بالفصل 147 من مجلة الشغل هي "القضايا الشغلية أو قضايا الضمان الاجتماعي قبل أن تستقل الأخيرة بنظام تقاضي خاص" أقرّه القانون عدد15 لسنة 2003 المتعلق بإحداث مؤسسة قاضي الضمان الاجتماعي ولم يتضمن الفصل 147 بداية احتساب أجل العام ولا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل باعتباره نصا خاصا.

أمّا الفصل 148 من مجلة الشغل الذي تعلق بالقضايا الشغلية وحدّد بداية سريان أجل القيام من تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية فإنّ حصره في المطالبة بالغرامات الناجمة علن الطرد لا يستقيم خاصّة وأنّ هذا النوع قد خصّه المشرّع بنص ضمن الفصل 23 من مجلة الشغل مما يؤكّد أن الفصل 148 يتعلق أساسا بالأجور والمنح الملحقة بها.
و تضيف الدوائر المجتمعة أنّه لا مجال لاعتماد القاعدة العامّة الواردة بالفصل 393 من م ا ع باعتبار انّ الفصل 148 من مجلة الشغل "واضح وصريح" في إقرار بداية سريان التقادم المتعلق بالقضايا الشغلية بجميع أنوعها هو انقطاع العلاقة الشغلية.
هل تشمل عبارة المنافع الاجتماعية المنح والامتيازات أم أنها تقتصر على ما يتعلق بتغطية الخدمات الاجتماعية المرتبطة بالصناديق الاجتماعية؟

تطرقت المحكمة إلى تعريف عبارة المنافع الاجتماعية الواردة بالفصل 148 من مجلة الشغل واعتبرت أنّ المقصود بالمنافع الاجتماعية في الفصل 148 هي المنح والامتيازات لا يستقيم قانونا ضرورة أنّ المنافع هي المبالغ التي يقع اقتطاعها من الأجر والتي ترصد لتغطية كل ما يشمل الخدمات التي تسديها الصناديق الاجتماعية والمنشآت المؤيدة للخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية أما المنح والامتيازات فإنها تلحق بالأجر عملا بالفصل 134 من مجلة الشغل.

الفصل 134 من مجلة الشغل فقرة 2 : يقصد بالأجر الأجر الاساسي مهما كانت طريقة احتسابه وملحقاته من منح وامتيازات سواء كانت نقدية أو عينية مهما كانت طبيعتها قارة أو متغيرة وعامة أو خصوصية باستثناء المنح التي لها صبغة استرجاع مصاريف

ويقصد بالأجر الأدنى المضمون الحدّ الأدنى الذي لا يمكن النزول تحته لتأجير عامل مكلف بإنجاز أعمال لا تتطلب اختصاصا مهنيّا.



[1]  "بخصوص الدفع بسقوط الدعوى الشغلية بمرور الزمن ينبغي التفريق فيه بين الدعوى الهادفة لطلب مستحقات اجتماعية وبين الدعوى الهادفة للتعويض عن الطرد التعسفي إذ أنّ مدّة التقادم بالنسبة للدعوى الأولى تنطلق من تاريخ استحقاق المنحة ولا فرق بين المطالبة في ظل العلاقة الشغلية أو بعد انقطاعها عدى منحة الراحة السنوية الخالصة الأجر فهي تنطلق من تاريخ انقطاع العلاقة لأنه في ظل العلاقة الشغلية لا يستحق الأجير راحة بل تعويضا وبالنسبة للدعوى الثانية فإنّ احتساب مدّة السقوط الحولي ينطلق من تاريخ الطرد وهو أجل سقوط لا يقبل القطع ولا التعليق وتفربعا على ذلك فإنّ محكمة القرار لما استجابت لطلب التعويض عن الطرد التعسفي لوقوع قطع سريان مدّة السقوط لقيام سابق تكون أساءت تطبيق القواعد القانونية بصورة تعرض قضائها للنقض" تعقيبي مدني عـ5324ـدد مؤرخ في 11/11/1998، ن م ت لعام 1998، قسم مدني، ج.2، ص.419.

[2]  " حيث أنّ الدفع بكون حق المطالبة بمنحة الراحة السنوية يسقط القيام به ابتداءا من تاريخ استحقاق تلك المنحة يتعارض وأحكام الفصل 148 من م ش التي تقتضي أنه عندما بتعلق الأمر بدعاوى بين مؤجرين وعملة فإنّه يسقط حق لقيام بها ابتداءا من تاريخ انتهاء علاقات الشغل لأن المنحة السنوية الخالصة هي ليست من المنافع الاجتماعية الوارد بها الفصل 148 المذكور والتي تنضمها نصوص خاصّة متعلقة بالحق موضوعها " تعقيبي مدني عـ11367ـدد مؤرخ في 29/09/2007، ن م ت لعام 2007، قسم مدني ومرافعات، ج.1، ص.351

[3]  "كل دعوى للتحصيل على الغرم من أجل القطع التعسفي لعقد الشغل من أحد الطرفين يجب تقديمها لكتابة دائرة الشغل خلال العام الذي يلي القطع وإلا سقطت هذه الدعوى ضرورة أنّ هذا الأجل هو أجل سقوط لا يقبل القطع أو التعليق" تعقيبي مدني عـ2500ـدد مؤرخ في 20/09/2000، ن م ت لعام 2000، قسم مدني، ص.305


Aucun commentaire: