mercredi 12 septembre 2018

محكمة التعقيب : بداية سريان أجل القيام في الدعاوى الشغلية. الدوائر المجتمعة عـ16672ـدد بتاريخ 27 أفريل 2017

ماهو منطلق احتساب أجل العام الذي بانقضائه تسقط الدعوى الشغلية فيما يتعلق بالمنح ؟ هل هو تاريخ استحقاق تلك المنح أم تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية ؟


تلك هي المسألة التي عرضت على أنظار الدوائر المجتمعة للبت فيها في القضية عـ16672ـدد بتارخ في 27/04/2017 و قد كانت مسألة تاريخ بداية احتساب الأجل بالنسبة للمنح والمستحقات الشغلية محل تباين في المواقف إذ كانت محكمة التعقيب قد اعتبرت في بعض القرارات أنّ الأجل يبدأ احتسابه من تاريخ استحقاق المنحة وذلك بخلاف الدعاوى الشغلية موضوع غرامات الطرد[1] في حين ذهبت في عديد المناسبات الأخرى إلى اعتبار أنّ بداية احتساب الأجل بالنسبة للمنح والمستحقات يكون من تاريخ قطع العلاقة الشغلية كغيرها من الدعاوى الشغلية[2]

تمثلت وقائع القضية المعروضة لنظر الدوائر المجتمعة في قيام الأجير بدعوى شغلية طالبا إلزام مؤجره بآداء جملة من المبالغ بعنوان مستحقاته المستوجبة قانونا فقضي لفائدته ابتدائيّا من طرف دائرة الشغل بالمحكمة الابتدائية ببن عروس في القضية عـ34400ـدد بتاريخ 26/05/2011 ثم نهائيّا من طرف محكمة الاستئناف بتونس في القضية عـ25939ـدد بتاريخ 27/03/2012 وذلك بإلزام المؤجر بأن يؤدّي له جملة من المبالغ المتفاوتة بعنوان منحة عيد الفطر ومنحة عيد الاضحى ومنحة الحضور ومنحة النقل ومنحة القفة ومنحة لباس الشغل وبعنوان الفارق في الأجر ومنحة الراحة السنوية ومنحة الانتاج.

وبموجب طعن المؤجر المحكوم ضده بالتعقيب  قضت محكمة التعقيب في القرار عـ77122ـدد بتاريخ 1/10/2012 بالنقض والإحالة وكان النقض مؤسسا على أنّ حق القيام بالدعوى التي تتعلق بالأجور والمنافع الاجتماعية يسقط بمرور عام من تاريخ استحقاقها في حين أن الدعاوى المتعلقة بغرامات ومنح الطرد تسقط بمرور عام من تاريخ قطع العلاقة الشغلية.

تمسكت محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة إحالة بموقفها في الحكم الاستئنافي عـ48195ـدد بتاريخ 25/04/2014 وقضت بإلزام المؤجر بأن يؤدّي جملة المبالغ المالية المتمثلة في المنح المذكورة معتبرة أنّ أجل سقوط حق القيام بالدعوى الشغلية مهما كان نوعها يبدأ احتسابه من تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية دون تمييز بين الدعاوى المتعلقة بالمستحقات الشغلية الناجمة عن تنفيذ العقد أو تلك المتعلقة بالتعويض عن الطرد.

الفصل 147 من مجلة الشغل : إنّ الدعاوى مهما كان نوعها بين المؤجرين والعمّال والمنظمات المشرفة على المنافع الاجتماعية المترتبة عن علاقات الشغل يسقط حق القيام بها بمرور عام من الزمن

الفصل 148 من مجلة الشغل: عندما يتعلق الأمر بدعاوى بين مؤجرين وعملة فإنّه يسقط حق القيام بها ابتداءا من تاريخ انتهاء علاقة الشغل. وفي ما يخص المنافع الاجتماعية فإنّ بداية سقوط الحق في القيام بالدعوى مضبوطة بالنصوص الخاصّة المتعلقة بالحق المذكور

الفصل 23 من مجلة الشغل : ....كل دعوى للتحصيل على الغرم من أجل القطع التعسفي لعقد الشغل من أحد الطرفين يجب تقديمها لكتابة دائرة الشغل خلال العام الذي يلي القطع وإلا سقطت هذه الدعوى

الفصل 393 من مجلة الالتزامات والعقود : سقوط الدعوى بمرور الزمان لا يتسلّط على الحقوق إلا من وقت حصولها...

الفصل 403 من مجلة الالتزامات والعقود : تسقط الدعوى بمضي عام ذي ثلاثة وخمسة وستين يوما.....فيما يطلبه العملة والصناع وأصحاب الحرف عن أجرتهم وعمّا دفعوه من البضائع والمصاريف بمناسبة خدمتهم وكذلك ما سبقه المستخدم لصناعه وأجرائه بذلك العنوان

تعهّدت الدوائر المجتمعة بالموضوع بموجب طعن المؤجر في الحكم ألاستئنافي المذكور لنفس السبب والمتمثل في خرق أحكام الفصلين 147 و 148 من مجلة الشغل وتأسس الطعن على مقولة أنّ المشرع فرّق بين الدعاوى الواردة بالفصل 147 وتلك التي وردت بالفصل 148 والتي يستنتج من قراءتها أنّ أجل التقادم بالنسبة للمطالبة بالمستحقات الشغلية ينطلق من تاريخ استحقاق المنحة أو الأجر ولا فرق بين المطالبة بها عند قيام العلاقة الشغلية أو بعد انقطاعها في حين أنّ سقوط الدعوى الشغليّة فيما يتعلّق بغرامات ومنح الطرد ينطلق أجله من حصول واقعة الطرد.


اعتبرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة أنّ منطلق احتساب أجل القيام في الدعاوى الشغلية المتعلقة بالمنح والمستحقات هو انقطاع العلاقة الشغلية ولا فرق في ذلك بين هذه الدعاوى و الدعاوى المتعلقة بغرامات الطرد وانتهت إلى رفض مطلب التعقيب أصلا بعد أن تطرقت المحكمة في مرحلة أولى إلى طبيعة الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 من م ش ثم تطرقت إلى بيان موضوع الفصلين المذكورين وتحديد عبارة "المنافع الاجتماعية" الواردة بالفصل 148.

 أولا : طبيعة الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 من م ش : أجل تقادم

تطرقت الدوائر المجتمعة في بداية عرضها للمسألة إلى طبيعة الأجل المذكور بالفصلين 147 و 148 من مجلة الشغل معتبرة بعبارات صارمة أنه لا يمكن أن يكون إلا أجل تقادم يقبل القطع.
الأجل الوارد بالفصلين 147 و148 هو أجل تقادم يقبل القطع وليس أجل سقوط  ضرورة أن ذكر السقوط بالفصلين "جاء بالمعنى العام المعتمد" في سائر الأحكام المتعلقة بأجل القيام بالدعوى كما هو الحال بالنسبة للفصول 384 وما بعده من م ا ع وخاصة الفصل 385 من م ا ع الذي أقر أن "سقوط الدعوى بمرور الزمن لا يقوم بنفسه بل يحتج به من له مصلحة" بخلاف المسقطات التي تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها عملا بالفصل 14 من م م م ت وهو ما يعني بالنسبة للدوائر المجتمعة أنّ القول بأن الأجل في الفصلين 147 و148 من مجلة الشغل هو أجل مسقط "لا مجال له ولا يستقيم ولا يجد أساس  له بل ويتعارض مع أحكام القانون وتعين استبعاده ويتجه اعتبار أنّ الأجل الوارد بالفصل 147 و148 من م ش هو أجل تقادم يقبل القطع"
وكانت محكمة التعقيب اعتبرت في عديد المناسبات الأخرى أنّ الأجل المذكور هو أجل سقوط لا يقبل القطع أو التعليق[3].

ثانيا : مناط أحكام الفصلين 147 و148 من مجلة الشغل: جميع الدعاوى الشغلية.

 اعتبرت الدوائر المجتمعة أنّ الفصل 147 من م ش ينظم الدعاوى مهما كان نوعها "سواء بين الأجير ومؤجره أو بين المنظمات المشرقة على المنافع الاجتماعية" وهو ما يعني أنّ  المقصود بالقضايا الواردة بالفصل 147 من مجلة الشغل هي "القضايا الشغلية أو قضايا الضمان الاجتماعي قبل أن تستقل الأخيرة بنظام تقاضي خاص" أقرّه القانون عدد15 لسنة 2003 المتعلق بإحداث مؤسسة قاضي الضمان الاجتماعي ولم يتضمن الفصل 147 بداية احتساب أجل العام ولا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل باعتباره نصا خاصا.

أمّا الفصل 148 من مجلة الشغل الذي تعلق بالقضايا الشغلية وحدّد بداية سريان أجل القيام من تاريخ انتهاء العلاقة الشغلية فإنّ حصره في المطالبة بالغرامات الناجمة علن الطرد لا يستقيم خاصّة وأنّ هذا النوع قد خصّه المشرّع بنص ضمن الفصل 23 من مجلة الشغل مما يؤكّد أن الفصل 148 يتعلق أساسا بالأجور والمنح الملحقة بها.
و تضيف الدوائر المجتمعة أنّه لا مجال لاعتماد القاعدة العامّة الواردة بالفصل 393 من م ا ع باعتبار انّ الفصل 148 من مجلة الشغل "واضح وصريح" في إقرار بداية سريان التقادم المتعلق بالقضايا الشغلية بجميع أنوعها هو انقطاع العلاقة الشغلية.
هل تشمل عبارة المنافع الاجتماعية المنح والامتيازات أم أنها تقتصر على ما يتعلق بتغطية الخدمات الاجتماعية المرتبطة بالصناديق الاجتماعية؟

تطرقت المحكمة إلى تعريف عبارة المنافع الاجتماعية الواردة بالفصل 148 من مجلة الشغل واعتبرت أنّ المقصود بالمنافع الاجتماعية في الفصل 148 هي المنح والامتيازات لا يستقيم قانونا ضرورة أنّ المنافع هي المبالغ التي يقع اقتطاعها من الأجر والتي ترصد لتغطية كل ما يشمل الخدمات التي تسديها الصناديق الاجتماعية والمنشآت المؤيدة للخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية أما المنح والامتيازات فإنها تلحق بالأجر عملا بالفصل 134 من مجلة الشغل.

الفصل 134 من مجلة الشغل فقرة 2 : يقصد بالأجر الأجر الاساسي مهما كانت طريقة احتسابه وملحقاته من منح وامتيازات سواء كانت نقدية أو عينية مهما كانت طبيعتها قارة أو متغيرة وعامة أو خصوصية باستثناء المنح التي لها صبغة استرجاع مصاريف

ويقصد بالأجر الأدنى المضمون الحدّ الأدنى الذي لا يمكن النزول تحته لتأجير عامل مكلف بإنجاز أعمال لا تتطلب اختصاصا مهنيّا.



[1]  "بخصوص الدفع بسقوط الدعوى الشغلية بمرور الزمن ينبغي التفريق فيه بين الدعوى الهادفة لطلب مستحقات اجتماعية وبين الدعوى الهادفة للتعويض عن الطرد التعسفي إذ أنّ مدّة التقادم بالنسبة للدعوى الأولى تنطلق من تاريخ استحقاق المنحة ولا فرق بين المطالبة في ظل العلاقة الشغلية أو بعد انقطاعها عدى منحة الراحة السنوية الخالصة الأجر فهي تنطلق من تاريخ انقطاع العلاقة لأنه في ظل العلاقة الشغلية لا يستحق الأجير راحة بل تعويضا وبالنسبة للدعوى الثانية فإنّ احتساب مدّة السقوط الحولي ينطلق من تاريخ الطرد وهو أجل سقوط لا يقبل القطع ولا التعليق وتفربعا على ذلك فإنّ محكمة القرار لما استجابت لطلب التعويض عن الطرد التعسفي لوقوع قطع سريان مدّة السقوط لقيام سابق تكون أساءت تطبيق القواعد القانونية بصورة تعرض قضائها للنقض" تعقيبي مدني عـ5324ـدد مؤرخ في 11/11/1998، ن م ت لعام 1998، قسم مدني، ج.2، ص.419.

[2]  " حيث أنّ الدفع بكون حق المطالبة بمنحة الراحة السنوية يسقط القيام به ابتداءا من تاريخ استحقاق تلك المنحة يتعارض وأحكام الفصل 148 من م ش التي تقتضي أنه عندما بتعلق الأمر بدعاوى بين مؤجرين وعملة فإنّه يسقط حق لقيام بها ابتداءا من تاريخ انتهاء علاقات الشغل لأن المنحة السنوية الخالصة هي ليست من المنافع الاجتماعية الوارد بها الفصل 148 المذكور والتي تنضمها نصوص خاصّة متعلقة بالحق موضوعها " تعقيبي مدني عـ11367ـدد مؤرخ في 29/09/2007، ن م ت لعام 2007، قسم مدني ومرافعات، ج.1، ص.351

[3]  "كل دعوى للتحصيل على الغرم من أجل القطع التعسفي لعقد الشغل من أحد الطرفين يجب تقديمها لكتابة دائرة الشغل خلال العام الذي يلي القطع وإلا سقطت هذه الدعوى ضرورة أنّ هذا الأجل هو أجل سقوط لا يقبل القطع أو التعليق" تعقيبي مدني عـ2500ـدد مؤرخ في 20/09/2000، ن م ت لعام 2000، قسم مدني، ص.305


mardi 4 septembre 2018

محكمة التعقيب : تنبيه الخروج للهدم وإعادة البناء لا يقتضي التنصيص على عبارات الفصل 27 من قانون الأكرية.



الجمهورية التونسية
وزارة العدل
محكمة التعقيب
القضية عدد 18687
توحيد آراء

أصدرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة القرار الآتي:
بعد الاطلاع على مطلب التعقيب المضمن تحت عدد 18687 المقدم بتاريخ 16/09/2014 من طرف الأستاذ محمد الصالح بن يوسف في حق....
ضد: ورثة المرحوم...ورثة...
نائبتهم الأستاذة إيناس الفخفاخ المحامية لدى التعقيب
طعنا في الحكم ألاستئنافي المدني الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس 2 بوصفها محكمة استئناف لأحكام محاكم النواحي الراجعة بالنظر تحت عدد 1529 بتاريخ 06/06/2013 والقاضي نصه نهائيا بقبول الاستئنافين الأصلي والعرضي شكلا وفي الأصل بإقرار الحكم الابتدائي وإجراء العمل به وتخطية المستأنف بالمال المؤمن وتغريمه لفائدة المستأنف ضدهم بثلاثمائة دينار (300د) لذا, أتعاب تقاضي وأجرة محاماة وحمل المصاريف القانونية على المحكوم ضده
وبعد الاطلاع على مذكرة مستندات الطعن المبلغة نسخة منها للمعقب ضدهم بتاريخ 22/09/2014 والمقدمة لكتابة المحكمة في 01/10/2014 .
وبعد الاطلاع على الوثائق التي اوجب تقديمها الفصل 185 من م م م ت وعلى مذكرة الرد المقدمة من نائبة المعقب ضدهم بتاريخ 21/10/2014
وبعد الاطلاع على قرار السيد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الصادر في 07/12/2015 القاضي بإحالة القضية على الدوائر المجتمعة للنظر في المسالة القانونية محل الخلاف.
وبعد الاطلاع على ملحوظات الادعاء العام المؤرخة في 21/12/2015 الرامية إلى قبول مطلب التعقيب شكلا واصلا ونقض الحكم المطعون فيه وإرجاع القضية إلى المحكمة الابتدائية بتونس 2 بوصفها محكمة استئناف لأحكام النواحي التابعة لها لإعادة النظر فيها بهيئة أخرى.
وبعد الاطلاع على الحكم المنفذ وعلى كافة أوراق القضية والتأمل في كافة الإجراءات.
وبعد المفاوضة القانونية صرح بما يلي:
من حيث الشكل:
  حيث وقع التعقيب في الأجل القانوني وصدر ممن له الصفة والمصلحة وضد حكم قابل للطعن بهذه الوسيلة بما يجعله مستوفيا للإجراءات القانونية.
وحيث تبين من ناحية أخرى انه سبق لمحكمة التعقيب أن تعهدت بموضوع قضية الحال في مناسبتين سابقتين وعلى أساس نفس المطعن المستمد من خرق أحكام الفصل 4 من القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/5/1977 وال الأمر إلى خلاف بين دوائر محكمة التعقيب حول ذات المسالة القانونية بما يبرر تعهد الدوائر المجتمعة شكلا تطبيقا لمقتضيات الفصلين 191و192 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية.
من حيث الأصل:
حيث تفيد وقائع القضية حسبما أثبتها القرار المنتقد والأوراق التي انبنى عليها  قيام المدعي في الأصل(المعقب الآن) أمام قاضي ناحية الزهور عارضا انه على ملكه أصل تجاري متمثل في مطعم انجر له بالشراء من والده وهو مستغل بالمحل التجاري الكائن بنهج 4001 عدد 74 حسب عريضة الدعوى حي الزهور تونس وهو في تسوغه من المدعي عليهم في الأصل(المعقب ضدهم الآن)  الذين وجهوا له بتاريخ 19/04/2007 بواسطة عدل التنفيذ ريم ألمساكني حسب رقيمها عدد 1452 للخروج وإعادة البناء على معنى الفصل 9 من القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977 وأضاف المدعي أن ذلك التنبيه معتل لانبنائه  على قرار هدم مضى على صدوره أكثر من عام كما لم يشمل التنبيه المرأة.... إحدى ورثة المرحوم.... علاوة على اتصال القضاء بموضوع قضية الحال السبق توجيه تنبيهين في الغرض تم الحكم قضائيا بإبطالهما وانتهى العارض إلى طلب الحكم بإبطال محضر التنبيه عدد 1452 المشار إليه.
وبعد استيفاء الإجراءات القانونية  قضى حاكم ناحية تونس 2 حي الزهور تحت عدد 2973 بتاريخ 03/04/2008 بعدم سماع الدعوى وهو حكم تأييد استئنافيا تحت عدد 109 بتاريخ 30/04/2009 . 
وحيث طعن المدعي في الأصل في هذا الأخير بالتعقيب ناعيا عليه خرق القانون بمقولة أن النزاع الحالي خاضع لأحكام القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977 وهو قانون يهم النظام العام وقد اتضح بالرجوع إلى محضر التنبيه عدد 1452 انه لم يذكر عبارات الفصل 27 من القانون المذكور واكتفى بذكر عبارات الفصل التاسع وكان على المحكمة القضاء بإبطال التنبيه من تلقاء نفسها إلا أنها لم تفعل طالبا نقض الحكم ألاستئنافي مع الإحالة
وحيث قررت محكمة التعقيب بموجب قرارها عدد 2009/41865 الصادر بتاريخ 23/11/2010 نقض الحكم المنتقد مع الإحالة بناء على أن الاكرية  التجارية لا تنتهي بحلول اجلها ونهاية مدتها بل لا بد لإنهائها من تنبيه وقد نص الفصل الرابع من قانون 25 ماي 1977 الموجب لحتمية التنبيه بالخروج لتنهية العقود التجارية على هذا الإعلام بصيغ شكلية وأوجبت الفقرة الأخيرة من الفصل الرابع السرد الحرفي لأحكام الفصل 27 من نفس القانون وعوقب على مخالفة ذلك بإلغاء التنبيه... وقد خلا التنبيه موضوع قضية الحال من التنصيص على أحكام الفصل 27 وان تجاوزت المحكمة لهذا الإخلال وعدم إثارته ينطوي على خرق لأحكام الفصل الرابع من قانون 25 ماي 1977 والفصل 14 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية
وبتعهد محكمة الدرجة الثانية بالقضية بوصفها محكمة إحالة قضت تحت عدد 1007 بتاريخ 09/01/2012 بنقض الحكم الابتدائي والقضاء مجددا بإبطال محضر التنبيه عدد 1452 لعدم تضمنه عبارات الفصل 27 من القانون عدد 37 لسنة 1977.  
وحيث تعقب المدعى عليهم في الأصل ذلك الحكم وبعد استيفاء الإجراءات القانونية قررت محكمة التعقيب تحت عدد 2010/73630 بتاريخ 22/11/2012 النقض والإحالة تأسيسا على انه خلافا لما جاء بالقرار المطعون فيه فان التنصيص على أحكام 27 من قانون الاكرية التجارية المؤرخ في 25/05/1977 غير وجوبي في جميع الحالات التي نرغب فيها المالك تنهية العلاقة التسويغية وإنما اوجب الفصل 4 من نفس القانون ذكره في التنابيه المتعلقة بتجديد العلاقة الكرائية بشروط جديدة أو الامتناع من التجديد وهي غير صورة الحال التي تأسست على أحكام الفصل 9 من نفس القانون والتي لا يخضع فيها التنبيه لأحكام الفصل 27 المذكور وما حتمه القرار المعقب على المعقبين من وجوب تضمين التنبيه بالامتناع عن التجديد لإعادة بناء العقار على أحكام الفصل 27 المذكور فيه خرق لأحكام الفصل 540 من م ا ع
وبتعهد محكمة الدرجة الثانية للمرة الثالثة بالقضية وللمرة الثانية بوصفها محكمة إحالة أصدرت حكمها المنتقد المضمن بالطالع القاضي بتأييد الحكم الابتدائي بناء على انه لا مصلحة من التنصيص صلب محضر التنبيه التجاري الموجه على معنى الفصل 9 من القانون عدد 37 لسنة 1977 على مقتضيات الفصل 27 لان المشرع ضبط حقوق المتسوغ والمسوغ في صورة رفض التحديد لإعادة البناء بكل دقة وان المحكمة لا تجاري ما جاء بمستندات الطعن من أن  أحكام الفصل الرابع من القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977 تنطبق سواء كان الأمر يتعلق بالتجديد أو رفض التجديد ويكون المسوغ بذلك ملزما بتوجيه تنبيه بواسطة عدل منفذ ستة أشهر من قبل والتذكير بعبارات الفصل 27 ذلك أن الفصل الرابع جاء تحت عنوان "في تجديد التسويغ" في حين أن العنوان الثالث جاء تحت عنوان مستقل وهو "في رفض التجديد".
وحيث تعقب المدعي في الأصل الحكم ألاستئنافي الأخير ناعيا عليه بواسطة محاميه ما يلي:
المطعن الوحيد: مخالفة القانون
قولا بأنه وسواء تعلق الأمر بتجديد التسويغ أو برفض التجديد فان الفصل 4 من القانون عدد 37 لسنة 1977 اوجب ضرورة ذكر عبارات الفصل 27 صلب محضر التنبيه خلافا لما ذهبت إليه محكمة الحكم المطعون فيه لما اعتبرت أن التنصيص على عبارات الفصل 27 غير ضروري عند توجيه التنبيه على معنى أحكام الفصل 9 من قانون الاكرية التجارية.
المحكمة:
عن المطعن الوحيد المأخوذ من مخالفة القانون:
حيث انحصر الإشكال القانوني حول وجوبية تضمين عبارات الفصل 27 من القانون عدد 37 لسنة 1977 المؤرخ في 25/05/1977 في التنبيه على معنى أحكام الفصل 9 من ذلك القانون أي طبق الحالة المتعلقة برفض المالك للتحديد لإعادة البناء.
وحيث نص الفصل الرابع من هذا القانون انه خلافا لمقتضيات الفصلين 791و792 من مجلة الالتزامات والعقود لا تنتهي اكرية المجلات الخاضعة لهذا القانون إلا بتنبيه بالخروج يقدم في اجل معين وهو ستة أشهر من قبل
وعند عدم التنبيه بالخروج يستمر التسويغ الذي حددت مدته بالتجديد الضمني إلى ما بعد الأجل المضبوط بالعقد من غير مدة معينة ويجب أن يكون التنبيه بالخروج في الأجل المنصوص عليه بالفقرة السالفة.
... وينبغي أن يقع ذلك الإعلام بواسطة عدل منفذ ويجب أن تبين الأسباب التي من اجلها وقع التنبيه بالخروج ويذكر عبارات الفصل 27 وإلا يقع إلغاؤه.
وحيث ينقضي عقد الكراء كغيره من العقود لأسباب عارضة عامة تتحقق قبل انقضاء المدة ودلك بالإبطال أو الفسخ أو اختلاط الذمة, ولكنه ينتهي أيضا باعتباره من العقود الزمنية وتنفك الرابطة القانونية بين الطرفين بانتهاء مدته وفق ما اقره صراحة الفصل 791 من م ا ع عندما نص على أن الكراء ينتهي بمجرد انتهاء مدته المشروطة  بين المتعاقدين ودون احتياج إلى تنبيه من احدهما على الآخر  ما لم يوجد بينهما شرط يقضي بالتنبيه. أما  إذا لم تعين مدة الكراء فقد جعل الفصل 792 من نفس المجلة على أنها هي التي وقع عليها التسعير. وبهذين النصين يصبح عقد الكراء في جميع الأحوال معين الأجل إما بتعيين المدة في العقد أو بآجال مقدار الكراء ولا لزوم في تلك الصورتين لوجود تنبيه إلا إذا كان هناك شرط في العقد يقضي بذلك.
وحيث خلافا لأحكام الفصلين 791و792 من م ا ع المشار إليهما فقد اوجب المشرع بالفصل 4 من القانون عدد 37 لسنة 1977 المتعلق بالاكرية التجارية على المالك الذي يريد تنهية عقد الكراء وإخراج المتسوغ وتجديد الكراء بشروط جديدة ضرورة توجيه تنبيه بالخروج إلى المتشوغ يقدم ستة أشهر من قبل, وينبغي أن يقع هذا التنبيه بواسطة عدل منفذ مع التسبيب والسرد الحرفي لعبارات الفصل 27 من نفس القانون.
وحيث اسند التنبيه موضوع قضية الحال على الفصل التاسع من القانون عدد 37 لسنة 1977 باعتبار ان رفض تجديد التسويغ سببه الهدم لإعادة البناء وهي حالة خاصة, تختلف عن صورة الفصل الرابع الموما إليه, نظمها المشرع بفصل وتحت عنوان مستقل بان ضبط سببه وقيده بشرط دفع غرامة حرمان محدد مقدارها سلفا وعلق أثره المتمثل في خروج المتسوغ من المكري المزمع تجديده ابتداء من الأشغال بصفة فعلية
وحيث يؤخذ مما تقدم أن قضية الحال لا يتعلق موضوعها باسترجاع المكري وقطع العلاقة التعاقدية بصفة نهائية, وإنما في تمكين مادي ووقتي من عقار ليتولى المالك تجديد بنائه ويبقى للمتسوغ بعد ذلك إمكانية ممارسة حق الأولوية بالصيغ والكيفيات التي وضعها القانون
وحيث طالما أن رفض التجديد يعد مؤقتا ومؤسسا على إرادة المالك في تحسين وضع بنائه, فان المشرع لم ينص على وجوبية السرد الحرفي لأحكام الفصل 27  بالتنبيه التجاري الموجه للمكتري, وهو لم يشترط ذلك إلا في حالات تنهية الكراء والاسترجاع النهائي حسب الفصول 4و13و16 وهي صور تتعلق بالامتناع المطلق من التجديد والتي كرس فيها المشرع وجوب حماية المكتري تبعا لما تفرزه من نتائج ثقيلة عليه بحرمانه كليا من حقوقه في الأصل التجاري الذي اكتسبه.
وحيث لما كانت الغاية من وجوبية التنصيص على أحكام الفصل 27 في بعض الحالات هي حماية المتسوغ وذلك إحاطته علما بالإجراءات التي يمكنه القيام بها لحماية حقوقه المدية وتمكينه من المنازعة في أسباب الامتناع عن التجديد أو رفض الشروط المعروضة أو المطالبة بغرامة الحرمان,  فان الأمر يطرح بشكل مغاير في صورة الهدم لإعادة البناء الذي هو حق مخول للمالك والذي لا يشرط سوى أن يدفع هذا الأخير للمتسوغ المحروم قبل خروجه منحة تساوي كراء أربعة أعوام كما يخول للمتسوغ البقاء بالمحل إلى ابتداء الأشغال بصفة فعلية وبالتالي فلا لزوم للتنصيص على عبارات الفصل 27 طالما ضبط المشرع حق الطرفين في صورة رفض التجديد لإعادة البناء بكل دقة.  
وحيث يتحصل مما تقدم, وطبقا لما انتهى إليه القرار المنتقد, أن التنصيص على أحكام الفصل 27 من قانون الاكرية التجارية المؤرخ في 25 ماي 1977 غير وجوبي في جميع الحالات, فلا يلزم القانون مالك المحل بالسرد الحرفي لنص الفصل 27 إلا في التنابيه الرامية إلى تنهية عقد التسويغ  وإخراج المكتري من مكتراه, أي في حالة الحرمان من التجديد أصلا, أما صورة الحال التي تأسست على أحكام الفصل 9 فان اشترط هذا الإجراء فيه تحميل لنص القانون معنى لا يقتضيه وخرق لأحكام الفصل 540 من م ا ع الذي ورد به أن ما به  قيد أو استثناء من القوانين العمومية أو غيرها لا يتجاوز القدر المحصور مدة وصورة. مما يجعل رأي محكمة القرار المنتقد معللا واقعا وقانونا واضحي المطعن المثار لا سند قانوني له وتعين رده والرفض أصلا.
ولهذه الأسباب
 قررت المحكمة بدوائرها المجتمعة قبول مطلب التعقيب شكلا ورفضه أصلا وحجز معلوم الخطية المؤمن
وصدر هذا القرار عن الدوائر المجتمعة بتاريخ 9 نوفمبر 2017 برئاسة السيد الهادي القديري الرئيس الأول لمحكمة التعقيب.
وعضوية رؤساء الدوائر السادة...والمستشارين السادة... وبحضور السيد شكري التريكي مساعد وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب ومساعدة كاتبة الجلسة السيدة عفاف الحاجي.
                                                          وحرر بتاريخه
 
       
 

    

                                                           

هل يوجب قانون الأكرية التجارية التنصيص على عبارات الفصل 27 منه في التنبيه الموجه بغاية الخروج للهدم وإعادة البناء على معنى الفصل 9 من القانون؟  هل أن هذا الشرط الشكلي المنظم صلب الفصل 4 من القانون ينطبق أيضا على الحالة الخاصة المتمثلة في تنبيه الخروج للهدم وإعادة البناء ؟ هل ينطبق الفصل 4 فيما يخص ضرورة التنصيص على الفصل 27 على التنبيه الموجه على معتى الفصل 9 ؟ يكتسي الجواب عن هذا أهمية خاصة بالنظر إلى كون جزاء عدم التنصيص الحرفي للفصل المذكور هو إلغاء التنبيه عملا بالفصل 4 من قانون الأكرية. 

تلك هي المسألة التي تعرضت لها الدوائر المجتمعة في قرارها عـ18687ـدد المؤرخ في 9 نوفمبر 2017.

تمثلت وقائع القضية في قيام متسوّغ المحل المتكوّن به أصل تجاري أمام محكمة الناحية المختصة طالبا إبطال تنبيه وجهه له مالك الجدران على معنى الفصل 9 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 المؤرخ في 25 ماي 1977 وقضي ابتدائيّا ونهائيّا بعدم سماع دعوى الإبطال فتعقب المدّعي في الأصل ذلك الحكم طالبا النقض مع الإحالة استنادا لكون محضر التنبيه بالخروج لم يذكر عبارات الفصل 27 من القانون المذكور واكتفى بذكر عبارات الفصل 9 فقررت محكمة التعقيب صلب القرارعـ41865ـدد بتاريخ 23/11/2010 النقض مع الإحالة وأسست قضائها على أنّ " الأكرية التجاريّة لا تنتهي بحلول أجلها ونهاية مدّتها بل لا بدّ لإنهائها من تنبيه نص الفصل 4 من قانون 25 ماي 1977 على صيغه الشكلية وأوجبت فقرته الأخيرة السرد الحرفي لأحكام الفصل 27 من نفس القانون وبينت أن مخالفة ذلك يؤدّي إلى إلغاء التنبيه .." مما يجعل عدم التنصيص على عبارات الفصل 27 من قبيل الإخلال بإجراء أساسي على معنى الفصل 14 من م م م ت تثيره المحكمة من تلقاء نفسها.

اثر إعادة نشر القضية من طرف المدعي في الأصل أيدت محكمة الإحالة موقف محكمة التعقيب وقضت بنقض الحكم الابتدائي وإبطال محضر التنبيه لعدم تضمنه عبارات الفصل 27 من القانون عـ37ـدد لسنة 1977 مما دفع المدعى عليه في الأصل مالك الجدران إلى الطعن فيه بالتعقيب ثانية وقضت محكمة التعقيب هذه المرّة بالنقض والإحالة في قرارها عـ73630ـدد بتاريخ 22/11/2012 وكان قضائها مخالفا لما ذهبت إليه في المناسبة الأولى إذ اعتبرت أنّ التنصيص على عبارات الفصل 27 غير وجوبي في كل الحالات التي يرغب فيها المالك تنهية العلاقة التسويغية وإنما يقتصر ذلك على التنابيه المتعلقة بتجديد العلاقة الكرائية بشروط جديدة أو الامتناع من التجديد وهي غير صورة الحال التي تأسست على الفصل 9 من نفس القانون والتي لا تخضع لأحكام الفصل 27 مذكرة بالقاعدة العامة للقانون المضمنة بالفصل 540 من م ا ع الذي ينص على أنّ ما به قيد أو استثناء من القوانين العمومية أو غيرها لا يتجاوز القدر المحصور مدّة وصورة.

وعند نظرها في المسألة للمرة الثانية بوصفها محكمة إحالة قضت المحكمة الابتدائية بتونس 2 صلب قرارها عـ1529ـدد بتاريخ 6/6/2013 بإقرار الحكم الابتدائي القاضي بعدم سماع دعوى الإبطال بمقولة أن لا مصلحة من التنصيص صلب محضر التنبيه التجاري موضوع الفصل 9 من قانون الأكرية على الفصل 27 وهو ما جعل المدّعي في الأصل متسوغ المحل يطعن بالتعقيب في ذلك الحكم وأدى إلى إحالة القضية بطلب من الرئيس الأول لمحكمة التعقيب على الدوائر المجتمعة للنظر في المسألة القانونية محل الخلاف.


الفصل 4 من قانون الأكرية التجارية : "خلافا لمقتضيات الفصل 791 و792 من مجلة الالتزامات والعقود لا تنتهي أكرية المحلات الخاضعة لهذا القانون إلا بتنبيه بالخروج يقدّم في أجل معين وهو ستة اشهر من قبل
وعند عدم التنبيه بالخروج يستمر التسويغ الذي حددت مدّته بالتجديد الضمني إلأى ما بعد الأجل المضبوط بالعقد من غير مدّة معينة ويجب أن يكون التنبيه بالخروج في الأجل المنصوص عليه بالفقرة السابقة
وينبغي أن يقع الإعلام بواسطة عدل منفذ ويجب أن تبين الأسباب التي من أجلها وقع التنبيه بالخروج ويذكر عبارات الفصل 27 وإلا يقع إلغاؤه "

تمثلت بذلك المسألة الخلافية المطروحة أمام الدوائر المجتمعة لتوحيد الرأي فيها في ما يلي:
هل أنّ التنبيه التجاري الموجه للهدم وإعادة البناء على معنى الفصل 9 من القانون عـ37ـدد المؤرخ في 25/05/1977 يقتضي التنصيص على عبارات الفصل 27 من القانون أم أنه يمكن في هذه الحالة تجاوز مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 4 من القانون وعدم ذكر عبارات الفصل 27 دون أن يقع التنبيه تحت طائلة الإلغاء؟


كان على الدوائر المجتمعة الحسم بين موقفين متناقضين أل إليهما المسار القضائي لهذا التنبيه الموجّه على معنى الفصل 9 من قانون الأكرية صدر الموقف الأول بتاريخ 23/11/2010 في القضية التعقيبية عـ41865ـدد واقتضى ضرورة التنصيص الحرفي على الفصل 27 وصدر الموقف الثاني بتاريخ 22/11/2012 في القضية التعقيبية عـ73630ـدد واقتضى أن ذكر عبارات الفصل 27 في حالة رفض المالك للتجديد للهدم وإعادة البناء غير ضروري ولا يلغي ذلك التنبيه.

اعتبرت الدوائر المجتمعة أنّ رفض تجديد التسويغ للهدم وإعادة البناء يعدّ "صورة خاصّة تختلف عن صورة الفصل 4 من قانون الأكرية" نظمها المشرع بفصل وتحت عنوان مستقل وهي " لا يتعلق موضوعها باسترجاع المكرى وقطع العلاقة التعاقدية بصفة نهائية وإتما في تمكين مادّي ووقتي من عقّار لبتولى المالك تجديد بنائه ويبقى للمتسوغ بعد ذلك إمكانية ممارسة حق الأولوية بالصيغ والكيفيات التي وضعها القانون" واعتبرت أن المشرع لم ينصّ على وجوبية السرد الحرفي لأحكام الفصل 27 بالتنبيه التجاري الموجه للمكتري ولم يشترط ذلك إلا في حالات تنهية الكراء والاسترجاع النهائي حسب الفصول 4 و 13 و 16 وهي صور تتعلق بالامتناع المطلق من التجديد وأنّ الغاية من التنصيص الحرفي هي إحاطة المتسوّغ علما يالإجراءات التي يمكن القيام بها لحماية حقوقه المدنية وتمكينه من المنازعة في أسباب الامتناع عن لتجديد أو رفض الشروط المعروضة أو المطالبة بغرامة الحرمان ولا لزوم لذلك التنصيص بالنسبة للتنبيه بغاية الخروج للهدم وإعادة البناء طالما ضبط المشرع حق الطرفين في صورة رفض التجديد لإعادة البناء بكل دقة.

وخلصت الدوائر المجتمعة بذلك إلى أن اشتراط التنصيص الحرفي للفصل 27 في تنبيه الخروج على معنى الفصل 9 من قانون الأكرية التجارية فيه تحميل لنص القانون معنى لا يقتضيه وخرق لأحكام الفصل 540 من م ا ع..

محكمة التعقيب: مصير عقد التسويغ عند تنفيذ قرار استعجالي بالخروج إن لم يدفع؟

تعقيبي مدني عـ70653ـدد مؤرخ في 7 ماي 2015 صادر عن الدوائر المجتمعة.

ما هو مصير عقد التسويغ بعد تنفيذ قرار استعجالي قاضي بالخروج إن لم يدفع؟ هل ينفسخ أو ينقضي أم يبقى ساري المفعول؟ هل يمكن أن يترتب عن القرار الاستعجالي الوقتي أثر يمس من وجود العقد؟  تعرضت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة لهذه المسألة في هذا القرار وكان موقفها مغايرا تماما لموقف سابق كانت أصدرته منذ سنة 1983.

تمثلت وقائع القضية في تنفيذ حكم استعجالي بقضي بالخروج إن لم يدفع على متسوغ محل يستغل فيه أصل تجاري وفشل المتسوّغ في محاولة الرجوع للمحل رغم عرضه لمعينات الكراء المطلوبة خاصة وقد تولى مالك الجدران بمجرد التحوّز بالمحل تسويغه للغير.

تولى المتسوّغ الذي غادر المحل بموجب القرار الاستعجالي القيام في المطالبة بغرامة الحرمان مستندا من الناحية الواقعية على تواطئ عدل التنفذ الذي دفع بأنه أسرع في تحويز المستفيد من التنفيذ بالمحل وتواطئ المالك مع الغير الذي أسرع بتسويغ المحل بمجرّد تنفيذه.....أما من الناحية القانونية فقد أسس المدّعي قيامه على مقولة أن الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع لا تأثير له على صحّة عقد الكراء ووجوده طالما أن الأحكام الاستعجالية لا تكسب حقوقا وطالما أن الأكرية التجارية تتمتع بحماية خاصّة ولا يمكن أن تنقضي إلا بتوفر شروط معينة ضيطها قانون 1977.

وبعد أن قضت محكمة البداية بعدم سماع الدعوى استأنفه المدّعي المتسوّغ فقضت محكمة الاستئناف بتونس صلب الحكم عـ19165ـدد بتاريخ 13/04/2005 بالنقض والقضاء مجددا بتمكين المدّعي من مبلغ 51250 دينارا بعنوان غرامة حرمان..واستندت المحكمة في ذلك على مقولة أنّ فسخ عقد التسويغ لعدم دفع معينات الكراء يخضع لإجراءات الفصل 23 من قانون 25/05/1977 وأن دعوى الخروج إن لم يدفع ليست سوى وسيلة ضغط ممنوحة للمالك دون أن تتجه نية المالك إلى فسخ العلاقة الكرائية وعليه فإنّ العلاقة الكرائية تبقى قائمة قانونا بعد تنفيذ حكم الخروج إن لم يدفع ولا يمكن تبعا لذلك حرمان المتسوغ من حقه المكتسب على الأصل التجاري.

واثر تعقيب الحكم المذكور من طرف مالك الجدران قضت محكمة التعقيب في القرار عـ6752ـدد بتاريخ 19/04/2006 بالنقض والإحالة معتبرة أنه لئن كان الفصل 23 من قانون الأكرية هو الذي ينظم الفسخ فيما يتعلق بعدم دفع معينات الكراء فإنه لا شيء يمنع من أن يكون الفسخ رضائيّا خارج إطار قانون 1977 وطالما كان المتسوغ قد أحجم عن دفع معينات الكراء فإنه قد خيّر بذلك الخروج وهو ما يعني التقاء إرادة الطرفين بخصوص الفسخ ويجعل من تنفيذ حكم الخروج إن لم يدفع من قبيل الفسخ الاتفاقي الذي يختلف عن الفسخ الحتمي المنظم صلب أحكام الفصل 23 من قانون 1977.

وبتاريخ 12/07/2007 صلب الحكم عـ47142ـدد تبنت محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة الإحالة نفس موقف محكمة التعقيب وقضت بإقرار الحكم الابتدائي وهو قضاء تم نقضه من طرف محكمة التعقيب مع الإحالة في القضية التعقيبية عـ34597ـدد بتاريخ 22/04/2010 بناء على تعقيب المدّعي في الأصل المتسوّغ واعتبرت محكمة التعقيب أنّ فسخ العلاقة الكرائية يعدّ من صميم الحق الذي لا يمكن استنتاجه من الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع وأن محكمة الموضوع لما استنتجت أن تنفيذ ذلك الحكم يعد من قبيل الفسخ تكون خرقت أحكام الفصل 201 من م م م ت وأصبغت على ذلك الحكم بعدا أعمق وأخطر مما يستحقه.
وكان هذا هو الاتجاه الذي تبنته محكمة الاستئناف بتونس بوصفها محكمة إحالة عند إعادة نشر القضية تحت عـ22053ـدد بتاريخ 25/10/2011 التي انتهت إلى وجوب تمكين المتسوغ من التعويض المتمثل في غرامة الحرمان واعتبرت أنّ الحكم الاستعجالي بالخروج إن لم يدفع ولو وقع تنفيذه لا يجوز اعتماده سندا لاعتبار العقد مفسوخا طالما لم يصدر عن القضاء ما يفيد انفساخه أو فسخه.

وتعهدت الدوائر المجتمعة بالنظر في الموضوع بعد تعقيب الحكم المذكور من طرف المحكوم ضده مالك الجدران عملا بمقتضات الفصل 191 من م م م ت.

كان على الدوائر المجتمعة الحسم بين موقفين متباينين أنتجتهما وقائع القضية التي امتدت إلى ما يناهز 15 سنة وهما من جهة أولى موقف المحكمة في القضية عـ6752ـدد بتاريخ 19/04/2006 التي ذهبت في اتجاه انتهاء العلاقة الكرائية بموجب تنفيذ حكم الخروج مما يرتب ضرورة رفض دعوى الحصول على غرامة الحرمان ومن جهة أخرى موقف المحكمة في  عـ34597ـدد بتاريخ 22/04/2010 الذي يعتبر أن العلاقة الكرائية لا تنتهي اثر تنفيذ الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع و عليه فإن المتسوغ يحق له المطالبة بغرامة حرمان طالما كان خروجه من المحل مخالفا لقواعد تنهية عقد الكراء المنظمة بقانون الأكرية التجارية لسنة 1977.
انحازت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة إلى الموقف الأول وانتهت إلى نقض الحكم الاستئنافي القاضي بتمكين المتسوغ من تعويض بعنوان غرامة حرمان بدون إحالة وكانت جمعت في الردّ بين جملة المطاعن لوحدة القول فيها مستندة في ذلك على أحكام الفصول 246 و247 من مجلة الالتزامات والعقود وكذلك الفصل 339 من نفس المجلة.


اعتبرت المحكمة من جهة أولى أنّه طالما كان الحكم الاستعجالي القاضي بالخروج إن لم يدفع نتيجة لإخلال المتسوّغ بواجبه التعاقدي في دفع معينات الكراء فإن الفصلين 246 و 247 من م ا ع المنظمة لاستثناء عدم التنفيذ في المادة التعاقدية تقتضي حسب عبارات المحكمة أن "من أخل بالتزاماته لا يمكنه المطالبة بحقوقها له على معاقده بناء على مبدأ تقابل الالتزامات"
ومن جهة ثانية فقد اعتبرت الدوائر المجتمعة أن تنفيذ الحكم الاستعجالي  ينهي الاستغلال  والانتفاع بالمكرى لتعذّر الوفاء وهو سبب من أسباب انقضاء العقد عملا بقاعدة الفصل 339 من م ا ع ورغم إقرار المحكمة بأنّ الحكم الاستعجالي لا يفسخ العقد فقد اعتبرت أنه لا مجال للقول رغم ذلك ببقاء العقد بمقولة عدم التصريح بفسخه لا غير لأنه عقد قد "انقضى عندما صار الوفاء به غير ممكن" وكان ذلك نتيجة عدم دفع معينات الكراء باختيار المتسوغ عدم الدفع والخروج من المحل الأمر الذي يعني في النهاية أن المتسوغ "قبل بانقضاء الكراء بعدم الوفاء"

ويمكن اعتبار موقف الدوائر المجتمعة في هذا القرار تراجعا عن الموقف الذي سبق لها أن اتخذته منذ سنة 1983 في أحد قراراتها الشهيرة عـ775ـدد بتاريخ 18 فيفري 1983 والذي اعتبرت فيه أن القرار الاستعجالي القاضي بإخراج المتسوغ من المكرى بعدم الوفاء " لا يصلح أن يكون سندا لفسخ العلاقة التسويغية التي تبقى على نفاذها طالما لم يصدر من المحكمة المختصة ما يقضي بانفساخها أو بفسخها ضرورة أنّ القضاء المستعجل لا يعدو أن يكون وسيلة حمائية وقتية لا تنال  العلاقة الموضوعية القائمة بين طرفي النزاع ولا تأثير لها على العقد القائم بين الطرفين ولا تقيد القاضي الموضوعي صاحب الاختصاص بالنظر فيما له صلة ارتباذ بالعقد ومصيره" والقرار الاستعجالي لا يعتمد سندا لإثبات تعطيل أو تنهية عقد المتسوغ...."

القرار عـ70653 بتاريخ 7/5/2015
برئاسة السيد خالد العيّاري
........
...........
المحكمة
عن جملة المطاعن لوحدة القول فيها
حيث يطرح النزاع مسألة قانونية تتعلق بحق المتسوّغ في كراء تجاري المطالبة بغرامة الحرمان بعد أن تم إخراجه من المكرى بحكم استعجالي يقضي بالخروج من المكرى بحكم استعجالي يقضي بالخروج من المكرى إن لم يدفع معاليم الكراء والذي تم تنفيذه من جهة أولى وتعلقت حقوق الغير بالمكرى من جهة أخرى.
وحيث تحقق في النزاع الحالي أنّ المعقّب ضدّها ( المدذعية في الأصل) لم تتول خلاص معاليم الكراء وقد استصدر المعقب حكما استعجاليا في إخراجها من المكرى إن لم تدفع معينات الكراء المتخلدة بذمتها ورغم إعلامها بالحكم فإنها لم تنفذ بمقتضياته وتولى المعقب الآن تنفيذ الحكم بإخراجها من المكرى مثلما هو ثابت بمحضر التنفيذ المضاف كل ذلك نتيجة إخلال المتسوغة بالتزاماتها التعاقدية وتقتضي القاعدة بالفصلين 246 و247 من م إ ع أنّ من أخل بالتزاماته لا يمكنه المطالبة بحقوقها له على معاقده بناء على مبدأ تقابل الالتزامات.
وحيث أنه من المتفق عليه أنّ الحكم الاستعجالي " لا يفسخ العقد الاصلي لكنه ينهي الاستغلال والانتفاع بالمكرى لتعذر الوفاء فالمعقب ضدها لم تف بمعليم الكراء رغم استصدار حكم في إلزامها بالخروج إن لم تدفع وتم تنفيذ الحكم وهو ما تنقضي به الالتزامات ذلك أنّ تعذّر الوفاء من أسباب انقضاء العقد عملا بالفصل 339 من م.إ.ع وبالتالي ينقضي عقد الكراء بين طرفي النزاع بمجرد تنفيذ الحكم الاستعجالي في الخروج ولا مجال للقول تبعا لذلك ببقاء العقد لأنه لم يتم التصريح بفسخه ذلك أن العقد ينقضي عندما يصير الوفاء غير ممكن وهو ما جرى عليه النزاع الحالي فالمعقب ضدها لم تف بمقتضيات العقد بوجوب دفع معاليم الكراء وتعذر الوفاء بحصول التنفيذ رغم أنها كانت أمام خيارين إمّا الخروج أو الوفاء بالعقد وبالتالي يكون العقد قد انقضى لعدم وفاءها بالتزاماتها وهو ما يحول دون تحصلها على غرامة الحرمان.....
ولهذه الأسباب
قررت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة نقض الحكم المطعون فيه بدون إحالة وإعفاء الطاعن من الخطية وإرجاع معلومها المؤمن إليه كإرجاع المال المؤمن بموجب وقف التنفيذ لمن أمنه