mercredi 24 octobre 2012

إجراءات تعطيل أعمال التتبع والتنفيذ أثناء فترة المراقبة


ينص الفصل 32 من قانون إنقاذ المؤسسات الاقتصاديّة المؤرخ في 17 أفريل 1995 كما وقع تنقيحه بالقانون عدد 63 المؤرخ في 29 ديسمبر2003 على ما يلي: " يتعطل خلال فترة المراقبة كل تتبع فردي أو عمل تنفيذي يرمي إلى استخلاص ديون سابقة لفترة المراقبة أو إلى استرجاع منقولات أو عقارات بسبب عدم إداء دين ويتوقف سريان جميع الفوائض وغرامات التأخير وتعلّق إجال السقوط..."

يستنتج من أحكام هذا النص أن تعطيل التتبعات الفردية وأعمال التنفيذ هي قاعدة تسري بحكم القانون وهو ما قد يوحي لأول وهلة بأن مجرّد الدخول في فترة مراقبة يكفي لسربان القاعدة وأنه لا لزوم الحصول على ما يفيد وجود التعطيل من طرف المحكمة المتعهدة بمطلب التسوية القضائية إلا أنه خلافا لذلك فإن الحصول على وثيقة تعطل الإجراءات يبقى أمرا ضروريا لنجاعة هذه القاعدة (فقرة أولى) ومن جهة ثانية فإن إجراءات تطبيق القاعدة تختلف حسب درجة ثبوت الدين موضوع التتبع والذي يمكن أن يكون دين ثابتا لا نقاش فيه كما قد يكون دينا يرجح ثبوته أو دينا غير مدعم (فقرة ثانية).

فقرة أولى : في ضرورة إثبات سريان قاعدة تعطيل التتبع والتنفيذ

لقد اكتفى المشرع صلب الفصل 32 بالتنصيص على تعطيل التتبع والتنفيذ بمجرد الدخول في فترة المراقبة ولم يورد تنضيما لإجراءات القاعدة كما فعل صلب الفصول 12 و 21 والتي اشترط المشرّع فيها أن يبين الإذن القضائي الصادر عن رئيس المحكمة المتعهدة بالتسوية القضايا وأعمال التنفيذ موضوع التعليق. وهو ما يعني ضمنيا أنه يتعين للانتفاع بهذا الإجراء الاستظهار بالإذن المبين للدين موضوع التعطيل.

وقد يكون من المنطقي أن لا يتضمن الفصل 32 مثل هذا التنصيص طالما كان سريان القاعدة يتم بموجب القانون وباجتهاد من قاضي التسوية كما هو الشأن صلب الفصول 12 و 21 إلا أن المسألة قد تستحق النظر من وجهة تطبيقية. فهل يكفي الاستظهار بقرار فتح إجراءات التسوية القضائية وفترة المراقبة لتعطيل إجراءات التتبع أمام المحاكم؟ وهل يكفي الإستضهار بهذا القرار لتعطيل أعمال التنفيذ الجارية أو التي يعتزم عدل التنفيذ التعهد بها؟

أ- بالنسبة للديون موضوع تنفيذ

يمكن القول أنه لا يمكن بالنسبة لعدل التنفيذ الاكتفاء بقرار فتح فترة المراقبة لتعطيل أعمال التنفيذ ضرورة أن مجرد دخول المؤسسة في فترة مراقبة لا يؤدي وحده إلى إيقاف أعمال التنفيذ بل هناك شروط أخرى يجب أن تتوافر إلى جانب وجود قرار فتح فترة مراقبة لا يمكن أن يعهد بالتحقق من وجودها لعدل التنفيذ المباشر لأعمال التنفيذ إذ من الغني على البيان أنه لا بدّ من معرفة ما إذا كان الدين موضوع التنفيذ من بين تلك الديون المعنية بقاعدة الفصل 32 أم لا وهو ما يتطلّب التمييز بين الديون من حيث تاريخ نشأتها للتحقق مما إذا كانت تسبق فترة المراقبة أم لا وكذلك التمييز بين أنواع الديون والأحكام موضوع التنفيذ بحسب مآلها لمعرفة مدى انطباق الفصل 32 عليها.

كلّ هذه الشروط تتطلب تقديرا لا يمكن أن يعهد به لعدل التنفيذ وحده بل يستوجب تدخلا من المحكمة التي لها وحدها معرفة تاريخ نشأة الدين وتحديده وتصنيف ومعرفة إن كان الحكم موضوع التنفيذ يدخل تحت طائلة الفصل 32 أم لا بحسب تاريخ الدين ومآل التنفيذ. وكل ذلك يجعل من الاستظهار بما يفيد تعطيل عمل التنفيذ بخصوص الدين أو الحكم المزمع تنفيذه ضروريا أمام عدل التنفيذ دون الاكتفاء بالاستضهار بما يفيد فتح فترة المراقبة.

ولئن لم يذهب سريان عمل المحاكم في هذا الاتجاه مما يؤدي إلى وقوع بعض الإشكالات فان الاستظهار بقرار فتح فترة المراقبة يبقى في كل الحالات سببا جديا يخول لعدل التنفيذ استشكال الأمر وإيقاف التنفيذ إلى حين البث في المسألة من طرف القضاء. ولكن استشكال الأمر لدى المحكمة المختصة يؤدي في هذه الحالة إلى تعهد محكمة أخرى غير المتعهدة بقضية التسوية في الموضوع والحال أن هذه الأخيرة هي المؤهلة للنظر في التعامل مع الصعوبات التي تمر بها المؤسسة وفي التمييز بين الديون القديمة والجديدة وتلك الضرورية والمباشرة لمواصلة النشاط.

ب- بالنسبة للديون موضوع تتبع

أما بخصوص الديون التي تكون موضوع قضايا منشورة أمام المحاكم أو المزمع نشرها فإن الأمر قد يكون أكثر تعقيدا. لئن كان من الواضح أن وجود قرار افتتاح إجراءات التسوية القضائية وفترة المراقبة يتطلب من المحكمة المنشورة أمامها قضية ضد المؤسسة التي تمر بصعوبات اقتصادية، النظر في مدى توفر شروط تطبيق الفصل 32 ومن بينها أن يكون الدين موضوع التتبع سابقا لفترة المراقبة وأن يكون الطلب من بين الطلبات التي تؤدي إلى أداء مبلغ مالي أو استرجاع عقار أو منقول بسبب عدم أداء دين، فان الإشكال هنا هو معرفة مدى اختصاص القاضى المتعهد بالقضية المنشورة في النظر في مثل هذه المسائل والحال أن مطلب التسوية القضائية تتعهد به محكمة أخرى وخاصة في حالة تضارب بين موقف المحكمة المتعهدة بالتسوية وموقف المحكمة المتعهدة بالقضية التي يتعين الحسم في مدى خضوعها لقاعدة تعطيل أعمال التتبع.

ومن المؤكد أن مثل هذه الإشكاليات من الممكن منعها باستباق قرار يحدد مجمل الديون موضوع تعطيل التتبع والتنفيذ يتم الإستضهار به عند اللزوم أمام المحكمة المنشورة لديها الدعوى لتطبيق أحكام الفصل 32 آليا.

فقرة ثانية : في اختلاف الإجراءات وفقا لدرجة ثبوت الدين

ينص الفصل 33 كما وقع تنقيحه بالقانون عدد79 لسنة 2003 المؤرخ في 29 ديسمبر 2003 على ما يلي : " تقيّد جميع الديون الثابتة حسب ترتيبها وإذا ضهر نزاع في أصل الدين أو في مقداره وكانت هناك مؤيدات ترجح ثبوته تأذن المحكمة بترسيمه احتياطيا ويقع تأمين المبالغ الخاصة به عند التوزيع وإن كان الدين غير مدعم يقع رفض ترسيمه ويحفظ حق الدائن في المطالبة به دون أن يكون لذلك تأثير على سير إجراءات التسوية".

يتم تقييد الديون الثابتة التي لم يضهر بشأنها نزاع يخص الأصل أو المقدار حسب ترتيبها وفقا للفصل 33 ويتعين على الدائن التأكد من ترسيمها وفقا للفصل 25 في حين يتوقف بشأنها كل عمل تتبع أو تنفيذ. أما الديون التي ظهر نزاع في أصلها أو مقدارها وتلك التي تكون غير مؤيدة يختلف بخصوصها التعامل

أ- الدين المرجّح ثبوته :

فقد يكون الدين من قبيل الديون "المرجح ثبوتها" رغم ضهور "نزاع في أصلها أو مقدارها" في حالة وجود حكم ابتدائي يصرح بثبوتها وكان هدا الحكم محل طعن بالاستئناف لوجود نزاع في أصل الدين أو مقداره. فالمحكمة المتعهدة بالتسوية قد تعتبر ثبوت الدين مرجحا استنادا إلى وجود حكم ابتدائي الدرجة بشأنه رغم وجود مطاعن جدية تهم أصل الدين ومقداره موضوع نظر لدى الاستئناف[1].

ينص الفصل 33 أنه يتم في هذه الحالة الإذن بترسيم الدين احتياطيا وتأمين المبالغ الخاصة به عند التوزيع. فهل يعني ذلك أن التتبعات تتخذ مجراها الطبيعي من جديد بعد أن تعطلت عملا بالفصل 32؟ بعبارة أخرى هل يمكن للدائن الواقع ترسيم دينه احتياطيا القيام لدى المحكمة المختصة لطلب تحديد دينه أصلا ومقدارا ؟

اعتبرت المحكمة الابتدائية بتونس في هذا السياق عند انتصابها للقضاء بوصفها محكمة استئناف للأحكام العرفية التابعة لدائرة قضاءها أن دعوى العامل الرامية إلى إثبات وجود دينه إزاء المؤسسة والمتمثل في غرامة طرد تعسفي والتي تهدف أيضا إلى تحديد مقدار الدين لا تدخل تحت طائلة قاعدة تعطيل أعمال التتبع وترجع تبعا لذلك إلى مرجع النظر العادي وليس إلى المحكمة المتعهدة بالتسوية[2]. ولا يعد استئناف إجراءات التتبع في هذه الحالة راميا إلى استخلاص الدين طالما بقيت المؤسسة في قترة المراقبة بل أنه بمجرد الحصول على الحكم المثبت لأصل الدين ومقداره يصبح هذا الدين من قبيل الديون الثابتة وينطبق عليه النظام القانوني لهذه الأخيرة إذا كانت المؤسسة لا تزال في فترة مراقبة.

ب- الدين غير المدعّم

يمكن من جهة أخرى أن يكون الدين "غير مدعم" وهي صورة غير مستبعدة الوقوع لا من حيث التطبيق ولا من حيث النظرية. فكثيرا ما تقوم العلاقات التجارية على الثقة المتبادلة وسرعة المعاملات التجارية مما قد يؤدي إلى إبرام معاملات والتداين دون إثبات ذلك بحجة رسمية أو غير رسمية. كما أنه من الممكن التصور أن الدائن الذي يتمثل دينه في ضرر نشأ له جراء المسؤولية المدنية للمؤسسة لا يملك بداهة حجة تثبت دينه ويتعين عليه إثبات عناصر تلك المسؤولية للحصول على حكم يقضي بالأداء وهو أمر قد يتطلب وقتا يطول في حين يمكن أن تفتتح إجراءات التسوية القضائية في الأثناء.

ينص الفصل 33 إذا كان الدين غير مدعم يقع رفضه ويحفظ حق الدائن في المطالبة به دون أن يكون لذلك تأثير على سير إجراءات التسوية فيمنح الفصل 33 حق المطالبة بهذه الديون دون أن يكون لذلك تأثير على سير إجراءات التسوية وهو ما يوحي أن المطالبة تكون وفقا للإجراءات العادية وأمام مرجع النظر الطبيعي. وهذه المطالبة القضائية لا يمكن أن تقبل دون أن تجابه بقاعدة الفصل 32 إلا في الحالة التي يتم فيها رفض ترسيم الدين من قبل المحكمة المتعهدة بقضية التسوية. ويعتبر والحالة تلك رفض الترسيم لكون الدين غير مدعم هو الشرط والسبب الذي يجعل الدائن في حل من قاعدة تعطيل أعمال التتبع والتنفيذ ويخول له القيام وفقا للإجراءات العادية لإثبات دينه وجودا ومقدارا.




[1]  المحكمة الابتدائية بصفاقس عدد 213 في 2 ديسمبر 1997. 
[2] المحكمة الإبتدائية بتونس، 40407، 9 فيفري 1998 ،م ق ت عدد 7 ، 1998 ص 155.

Aucun commentaire: