dimanche 18 novembre 2012

تاريخ نشأة الدين كمعيار للتمييز بين الديون القديمة والجديدة في التسوية القضائية

لقد أقرّ المشرع صلب قانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية وخاصّة الفصلين 32 و34 منه تمييزا للديون يتأسس على التفرقة بين "الديون السابقة لفترة المراقبة" وتلك "المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة"[1],
وتكمن أهميّة  هذا التمييز في خروجه عن قواعد النظام القانوني التقليدي المتعلق بترتيب الدائنين والمنظم صلب الفصل 192 وما بعده من مجلة الحقوق العينية وهو ما يعني مثلا  أنّ الدائن الذي حرص على تأمين دينه بواسطة رهن والذي يتمتع تقليديا بحق الأفضلية وحق التتبع إزاء مكاسب مدينه ويسبق دينه باقي الديون العادية في حين لا تفضل عليه إلا الديون الممتازة يجد نفسه خاضعا في حالة دخول مدينه فترة المراقبة لترتيب جديد إذ تتمتع كل الديون الجديدة بأولوية في الدفع وتسبق الديون القديمة في الدفع ولو كانت هذه الأخيرة ديونا ممتازة

يقتضي هذا التمييز  تحديد تاريخ نشأة الدين لمقارنته بلحظة انطلاق فترة المراقبة ومن ثمة تصنيفه وهو ما يفترض في كثير من الأحيان  اللجوء إلى النظر في طبيعة الدين  وتكييفه  بعد الرجوع إلى سنده القانوني بهدف معرفة تاريخ نشأته,

ولعلّ تحديد تاريخ نشأة الدين يكون أمرا سهلا بالنسبة للديون التي تحددها عقود ثابتة التاريخ ومتضمنة لشروط دفع وآجال واضحة إذ يكفي في هده الحالة الرجوع إلى مقتضيات الكتب لمعرفة تاريخ نشأة الدين واعتماد الأحكام المنضمة للكتب ثابت التاريخ صلب مجلة الالتزامات والعقود[2]،علما أن فقه القضاء الفرنسي اعتبر أن ما يقع اعتماده هو تاريخ الكتب بصرف النظر عن تاريخ تسجيله[3]
ويكون الأمر بسيطا كذلك بالنسبة للديون الجبائية والتي تنشأ بمجرد عدم التزام المطالب بالأداء بدفع ما هو مستوجب وفقا للآجال القانونية وهو ما يعبر عنه "بالفعل المنشئ للأداء"[4].
 كما أنه لتحديد تاريخ نشأة الدين الراجع للضمان الاجتماعي يتعين اعتماد تاريخ القيام بالعمل من طرف الأجير لأن القيام بالعمل هو الذي ينشأ الدين  كما ذهبت لذلك محكمة التعقيب الفرنسية" في أحد قراراتها[5].
إلا أن الإشكال يطرح في الحالات التي قد لا ينشأ الدين فيها عند إبرام العقد بل لاحقا وهي حالة تقر محكمة التعقيب الفرنسية بإمكانية حصولها[6].  فقد يبرم العقد قبل فترة المراقبة ولا يترتب عنه دين إلا بعد ذلك وهي الحالة التي قد تظهر في العقود ممتدة التنفيذ ومثال ذلك عقد الكراء المبرم بين المؤسسة ومالك محل قبل فترة المراقبة. يمكن أن يرتب هذا العقد دينا جديدا كلما كانت معينات الكراء غير المدفوعة متعلقة بفترة لاحقة لانطلاق فترة المراقبة.
وتميز محكمة التعقيب الفرنسية في هذا السياق بين الديون موضوع معينات كراء حلت قبل فترة المراقبة يجب التصريح بها والديون موضوع معينات كراء بعد فترة المراقبة يتعين اعتبارها ديون جديدة تنسحب عليها أحكام الفصل 40 من قانون 25 جانفي1985[7].
وقد رأى البعض أن اعتماد فقه القضاء الفرنسي لمبدأ إمكانية نشأة الدين عند تنفيذ العقد لا يمثل استثناءا لقواعد النظرية العامة للالتزامات بل تكريسا لها إذ أن الدين ينتج في الحقيقة من عدم تنفيذ الالتزام التعاقدي أثناء سريان العقد ولا ينشأ مند إبرام العقد.
« La clé de répartition des créances postérieures et antérieures réside dans la notion de prestation, si le créancier effectue une prestation positive après le jugement d’ouverture la créance naît de cette prestation même si le contrat est   conclu avant[8].                                                                                                         
إلا أن فقه القضاء الفرنسي لم يقتصر على اعتماد هذا المنهج بالنسبة للعقود الممتدة فحسب بل سحبه أيضا على العقود الفورية معتبرا أن نشأة الدين في مثل هذه العقود لا تكون ضرورة يوم إبرام العقد بل عند تنفيذ الالتزام من ذلك أن الدين الناشئ عن اقتناء المؤسسة لبضائع لا يتحدد تاريخ نشأته اعتمادا على عقد البيع بل بالرجوع إلى تاريخ تسليم البضاعة إلى المؤسسة[9].
"La naissance du contrat n’est pas la naissance de la créance. Ainsi, lorsque dans un contrat instantané comme la vente, l’exécution de l’obligation de délivrance n’est pas immédiate, la créance du prix du vendeur n’existe qu’au moment de la  livraison[10] "
وفضلا عن تطبيق هذا التصور بالنسبة للعقود الممتدة والفورية على حد السواء فإن الفقه وفقه القضاء الفرنسي قد اعتمده أيضا بالنسبة للديون ذات الصبغة التعويضية معتبرا أن تلك الديون تنشأ أيضا عند عدم تنفيذ الالتزام. فإذا كان عدم تنفيذ الالتزام المنتج للتعويض سابقا لفترة المراقبة فإن الدين المتمثل في مبلغ التعويض يعد قديما أما إذا كان لاحقا لها فيعد جديدا. ومن ذلك أن العيوب التي تظهر بعد انطلاق فترة المراقبة والتي تخص عقد تم إبرامه بين المؤسسة ومقاول تعتبر ديونا سابقة لفترة المراقبة لأنها تنشأ من "عدم تنفيذ عقد المقاولة" وهو إخلال بالعقد حصل قبل فترة المراقبة.[11]
 وكذلك الأمر بالنسبة للدين الناتج عن تطبيق شرط تغريمي يفرض دفع غرامات في حال التأخير في إتمام أعمال البناء. يعد هذا الدين سابقا لفترة المراقبة إذا كان عدم التنفيذ أي التأخير حصل قبل الدخول في هده الفترة ويتعين تبعا لذلك تقيده ضمن ديون المؤسسة[12]. فتاريخ عدم تنفيذ الالتزام التعاقدي هو الذي يحدد طبيعة الدين ذي الصبغة التعويضية بالنظر إلى قانون إنقاد المؤسسات.
ورغم أن تحديد تاريخ نشأة الدين وفقا لهذه المقاربة يبدو لأول وهلة غير ذي صلة بالقواعد العامة المعروفة في مادة الالتزامات فقد رأى البعض استنادا إلى النظام القانوني المتعلق بتاريخ نشأة الدين في قانون إنقاذ المؤسسات أن هذا النظام القانوني ليس نظاما استثنائيا بالمقارنة مع النظرية العامة للالتزامات بل هو في الحقيقة تطبيق لمبدأ متعلق بها ومفاده أن الدين ينشأ إما من تنفيذ الالتزام التعاقدي أو من عدم تنفيذه بالنسبة للديون ذات الصبغة التعويضية.
  « Le droit des procédures collectives constitue le révélateur d’un principe insuffisamment perçu, qui se rattache pourtant à la théorie générale des obligations : les créances de rémunération naissent de l’exécution de la prestation contractuelles et les créances de réparation de son inexécution ».[13]    
 ويكتسي موضوع تحديد تاريخ نشأة الدين أهمية بالغة بالنسبة للعقود الرابطة بين المؤسسة البنكية والمؤسسة التي تمر بصعوبات اقتصادية، فالعقود البنكية ومنها فتح الاعتماد قد تبرم قبل فترة المراقبة إلا أن الأموال قد تسلم من البنك بعد ذلك. وتظهر هنا أهمية اعتماد "تنفيذ الالتزام"  كمعيار لتحديد تاريخ نشأة الدين. فإذا ما اعتمدنا "تاريخ إبرام العقد"، يكون الدين قديما، أما إذا ما أسسنا التصنيف على "تاريخ تنفيذ الالتزام" من  البنك فان الدين يكون جديدا ويتمتع بامتياز الفصل 34.
 ويرى البعض أن تنفيذ الالتزام من البنك هو الذي يجب تغليبه في هذه الحالة بحيث يكون وضع وسائل الدفع على ذمة المؤسسة فيما يتعلق بفتح الاعتماد مثلا هو التاريخ المعتمد لتحديد تاريخ نشأة الدين[14]



[1] الفصل 32 "يتعطل خلال فترة المراقبة كل تتبع فردي أو عمل تنفيذي يرمي إلى استخلاص ديون سابقة لفترة المراقبة، أو إلى استرجاع منقولات أو عقارات بسبب عدم أداء دين، ويتوقف سريان جميع الفوائض وغرامات التأخير وتعلق آجال السقوط"  والفصل 4 3 " تعطى الأولوية للديون الجديدة المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة والتي لها علاقة مباشرة وضرورية بمواصلة نشاطها، ولمعينات كراء المعدات والأشياء التي تكون موضوع إيجار مالي وتم تعليق إجراءات التقاضي والتنفيذ الرامية إلى استرجاعها والتي حل أجل الوفاء بها قبل انطلاق فترة المراقبة. وتستخلص قبل الديون السابقة الأخرى ولو كانت ممتازة".
[2] Y. Knani,  Le banquier et l’entreprise en difficulté économique, R T D , 1996, p.129 
[3]  وذلك اعتبارا لكون "جماعة الدائنين " حسب فقه القضاء هذا لا تعتبر غيرا ; عبد المجيد الفاهم، الكامل في الإجراءات الجماعية، دار الميزان للنشر 1999، ص.103.
 الفعل المنشئ للأداء هو الأمر الذي بحدوثه يصبح الأداء مستوجبا قبل أية مطالبة من طرف الإدارة. [4]
[5]   "Le jugement constate que les cotisations réclamées se rapportaient à des salaires perçus pour une période de travail antérieure à l’ouverture de la procédure collective, qu’en l’état de ces énonciations, c’est à bon droit que le tribunal a décidé qu’une telle créance était née antérieurement au jugement d’ouverture et que par suite, peut importe l’époque à laquelle les salaires correspondants avaient été payés, l’acte tendant à obtenir paiement de cette créance devait être annulé, pour le moyen n’est fondé en aucune de ses branches ". Cass. Com, 8 Nov.1988, D.S.1989, jur. p. 36, note A. Honorat.
[6] Un contrat conclu antérieurement au jugement d’ouverture peut donner naissance à une créance postérieure à ce même jugement bénéficiant ainsi du privilège de l’article 621-32 du C.C ; Cass..com, 2 oct. 2001, D. 2002, jur.800.
[7] Com.27.10.1998, bull.civ II, n°263, p. 218.
[8] C. Saint-Alary-Houin, Rev. Proc. Coll. 1997,69. n°22.
[9] «  relèvent de l’article 40 de la loi du 25-1-1995 les créances trouvant leur origine postérieurement au jugement de la procédure collective dans la mesure ou la livraison des marchandises est intervenue après le jugement dans la cadre de la poursuite de l’activité de la société, même si la date de commande de ces  marchandises n’est pas connue » C.A.Rennes, 1er dec. 1994, Dr. société, Nov. 1995, n°912, note Chaput.
[10] A.Lienhard ,  note sous com. 15 fév 2000, D. affairs 2000, jur,160 ; Com. 21 nov. 1972, bull. civ IV, n° 296, p. 277 , R.T.D com. 1973 , 844, note M. Cabrillac et J.L Rives - langes.
[11] Com.26 juin 1978, bull. civ  IV , n°180 p. 152.
[12] Cass. 3ème civ, 13 oct. 1999, bull.civ, III , n° 203, p 141 ; Cass .11 juillet 1995, Dr. sociétés, oct. 1995, n°190 note y. chaput    « Une créance de réparation  a son origine antérieurement au jugement d’ouverture de la procédure collective quand les désordres imputables à  une faute  d’exécution de l’entrepreneur  se rapportaient à des travaux exécutés avant l’ouverture de la procédure collective même si ces désordres ce sont révélés postérieurement ».
[13] F. Baron, La date de naissances des créances contractuelles à l’épreuve du droit des procédures collectives, R.T.D Com. Janv. Mars 2001, p.1 et s 
[14] Y. Knani, article précité, p.129.

Aucun commentaire: